حول الشاعر محمد اللغافي *
1
كم قطفت من الكلمات المبعثرة في القواميس كي تعزف في المداد
كي ترسم العرق
كي تشتم الوقت
2
أكنت تود ركوب السحاب إلى جزيرة خارج الرأس
أكنت تنوى عبور الضوء إلى برج خفي
أكنت تقيم خيمة من الحطام
3
أكاد أحيانا لا أراك
إلا رجلا يحمل همه في وجهه
دون أن يجد لوجهه وجها
يحمل كل الأمل الذي تلاشى
أو كل الأمل الذي ظل مشدودا إلى حبل المشنقة
أو كل الأمل الذي قد يسرق في طريقه
4
أكاد أحيانا أراك
أراك تخيط الحروف
أراك تضع اللصاق للكلمات
أراك تضرب حديد الكلام وهو لا يزال ساخنا
أراك توغل المسمار في صورة تاهت عن السرب
5
يا رجل بين المطرقة والسندان قصائد
نسيتها لحظة زلزال
أو لم تكتبها بعد
أو لم ترها بعد
تترنح لأنها خارج الكلام
تفرح لأنها تنفلت كل مرة من فيض المداد
لكنها أحيانا تغار أو تتعب أو تتجهم
لكونها لم تدخل القفص الشعري بعد
6
يا رجل
هذا تاج الملك لك
تاج مرصع بكلام غسله المطر ذات صيف
حضنته سحابة ذات خريف
لكنك تفضل رائحة العرق والغبار
تفضل أن تموت مجهولا
وفي مكان مجهول
حتى القبر تريده أن يكون قبر شاعر مجهول
7
يا رجل
خذ حروفك المتبقية وارحل
إلى أعلى جبل
هناك ستجد سقراط وابن عربي
هناك ستجد رائحة الأنبياء
هناك ستجد أفلاطون
حينها اعبد كما تشاء
ولا تفكر في العودة
إلا ونعش الشيطان على كف يدك اليسرى
8
يا رجل قد نشيد لك بيتا فخما في قلوبنا قد نضع لك تمثالا في مداخل المدن قد نهاجم الموت القادم والمنتشر حولك قد نجعل من المداد والكلام قرآنا بيننا لكنك لن ترضى بشيء من ذلك لن ترضى إلا إذا قلنا لك أننا نحبك حينها يغمرك الماء ولن تهتم لما سيقع بعد ذلك
9 التقينا سابقا في مثل هذا الرحاب. ونلتقي اليوم. حتى صار الواجب يلزم شكر إدارة هذه المؤسسة الجماعية عما تقوم به من مجهودات لإشاعة الثقافة والوعي بين أبناء هذه المنطقة خصوصا في ظل غياب مركب ثقافي أو دار شباب في المستوى المطلوب عوض تلك التي اختارت البعد و التهميش والنسيان. نلتقي اليوم. اليوم كما الأمس في أماكن أخرى من أجل تكريم نفس الشخص. الشخص الذي يحمل وحده هم وجهه. الشخص الذي لا كرسي له. الشخص الذي يقطن جزيرة رأسه. الشخص الذي لم ينفصل عن حيه أبدا كأنه مولع بالهامش أو كأنه مرغم على هامش الأشياء بفعل فاعل لن يكون سوى زمن الإقصاء والرمي إلى الأسفل. الشخص الذي هوجم دائما بالتكفير لأنه مثلنا يكره العنف كله. نحن اليوم مع رجل اختار أن يمارس شغبه بقلم الجهاد وليس بالسيف. اختار أن يفجر كبته النفسي على الورق وليس على الغير. اختار الكتابة بالشعر كطريقة للموت. اختار أن يكفر عن ذنوبه وليس أن يكفر عباد الله. نحن اليوم أمام رجل ناضل ليس كما يناضل الآخرون للفوز بمقعد. ناضل من أجل الخبز الحافي. ناضل ضد الذي كاد أن يكون كفرا. ناضل ضد النسيان الذي يطال غير حملة الأقلام. ناضل من أجل البقاء مثلما نظرت له الفلسفة العمالية. نحن اليوم رفقة محمد اللغافي. شاعر المنطقة بامتياز.الشاعر الذي كتب نفسه في كل قصيدة كتبها. وفي كل حرف كتبه. وفي كل ديوان أصدره. كل المداد الذي أراقه محمد اللغافي ليس إلا محمد اللغافي في سطور شعرية أو في لغة الجمال والمشاعر ورؤيا الواقع كقولنا بأن الشاعر يكتب نفسه أو يكتب غيره من خلال نفسه هو. في بداية التسعينيات، لما كنت طالبا في الجامعة، سمعت كلاما يتردد عن أشخاص من حي سيدي مومن القديم يكتبون الشعر ولم يتجاوز مستواهم الدراسي الشهادة الابتدائية. يسمون أنفسهم الحواس الخمس إحالة على كونهم كانوا خمسة أشخاص يكتبون الشعر دون أن أعرف من كان منهم بمثابة أية حاسة. وبقدر ما استغربت بقدر ما استدعاني فضولي للتعرف على محمد اللغافي والجماعة لعلمي المسبق بأن مثل هؤلاء الإخوة ناذر في التاريخ الأدبي العربي وفي تاريخ الأدب المغربي أيضا. وقد وصلتني نسخة من ديوانهم الجماعي الصغير بعنوان" الحواس الخمس" طلبت من أحد أبناء الحي على معرفة بمحمد اللغافي أن يأخذني إليه. فكان اللقاء. وكان أن صافحته أول مرة في محيط سوق سيدي مومن القديم. بل بمحاذاة جوطية هذا السوق. حينها قابلت شابا نحيفا ولا زال مختفيا في نحافته تلك. كان الرجل قد أطلق لشعره العنان وظل على حاله ذاك إلى الآن. حينها تحدث وبإسهاب عن المشروع الشعري للحواس. وعن مشروعه الشعري الشخصي. ثم قرأ قصائد من أعماله الأخيرة. كان الرجل حينها يسعى إلى الإقناع بثبات وثقة متناهية وإلى توسيع دائرة معارفه. الأمر الذي قد يوسع دائرة بطاقة تعريفه. كان الرجل متواضعا في كل شيء ولا زال كذلك. ومنذ ذلك الوقت ونحن نواصل الكتابة والتشجيع والدعم والنقد الذاتي. منطقة سيدي مومن يجب أن تفتخر بنخبة من أبنائها الذين تحدوا كل مشاكل الحياة والصعاب والظروف الاجتماعية القاسية جدا للوصول إلى أهدافهم المختلفة. إن هذا التكريم مهم للغاية الهادفة إلى تحويل الانتباه نحو أحد أقدم أبناء سيدي مومن في الكتابة الشعرية. استمر في هذا النحو مدة طويلة. كلفه ذلك مجهودا كبيرا ومعاناة مع الطبع والمصاريف والتوزيع ودور النشر. الأمر الذي أتى أحيانا على حساب أبنائه ومتطلبات عيشه. حيث لولا تضحيات من هذا النوع لما أصدر شيئا. وكثيرا ما تكون تلك التضحية مغامرة بدون ضمانات وتضحية بأولويات العيش الضرورية فحسب من دون الحديث عن الكماليات التي تبقى بعيدة المنال. نحن نعرف الطبع وما تنتج عنه من مشاكل مادية بالخصوص. فهذا يوم بمثابة حدث يجب أن نكتبه بماء الورد في السجل الذاتي لمحمد اللغافي.
....................................................................................................... * نص الكلمة الملقاة بمناسبة تكريم الصديق الشاعر المناضل محمد اللغافي
عتيق الزيادي البيضاء 07/03/23 .
_________________