امتلأ عن آخره، فقرر هذا المساء أن ينفض عنه غبارا ظل عالقا به، متأبطا له، يطويه تحت جناحيه حتى آلمه و فقد مع وجعه قدرة الصبر و التحمل....اتجه نحو البحر، حيث اتخذ لنفسه متكئا على صخرة منتصبة بين زرقة، وصفرة تخالها أريكة نحثت بكل دقة لتكون ممتطى طبيعيا لعشاق الأصيل، و ملاذا آمنا لمحبي السهر على نغمات أمواج تراقص الرمل. من ها هنا، منح نفسه جواز الاستغوار ببواطن سنين خلت و النبش عن جراح لازالت تندى بالقيح و الدم....أطلق للسانه العنان...صار يتحدث و يتحدث حتى شعر أن جميع كؤوسه قد أفرغت و أن قشعريرة من الراحة قد بدأ بعض من نسائمها يلامس ثنايا جسده المتعب، الهزيل.
آنذاك فتح عينيه اللتين كانتا طوال بوحه مغمضتين، فوجد الصخرة تطفو على ظهر الماء، و الليل قد أسدل رداءه على المكان.....أصيب بالهلع و الخوف، و لم يعد يدري كيف يواجه الموقف؟ وقتها شرع يولول و يصرخ عله يصادف صوتا يرد عليه لغوه، أو يدله لما يجب عليه فعله.....سكت برهة، و في غفلة منه استسلم لغفوة تراءى له فيها أن أسراره التي أفشاها دفعة واحدة قد أوجعت البحر، و لم يتحمل كثمانها وحده، فأيقظ مده ليشركه ثقل الحمولة و يدفع بها بعيدا عنه....عندها أدرك الحكمة فقام و الوقت فجرا.....و عند أول خيط أبيض تلمس له طريقا فانطلق مسرعا، مذعورا يخشى هدير أمواج البحر.