سأعود إليك

موضوع: سأعود إليك الإثنين نوفمبر 08, 2010 2:58 pm

سأعـــــــود إليــــــــــك ..

ربط الحمار ودخل..كان العرق يتصبب من الجبين،الصدر يعلو وينخفض من كثرة التعب والحركـــة ، سقط على الفراش كجذع منهك ثم أغمض عينيه طلبا للراحة التي عز حضورها ،منذ سنوات والتعب ناشــب مخالبه في جسده الهزيل ثم طالت واستطالت عند الزواج ،انتبه على دخول الزوجة الغرفة ،فتح عينـــيــه بصعوبة، بدت له شبحا يملأ الفضاء،دخلت هي في صمت ،وقفت ترنو اليه كعادتها كلما عاد من بيع الحطــــب ثم ذهبت تنبش في الكيس الموضوع قرب الحمار في الزاوية ..لم تجد ما كانت تبحث عنه..دائما لا تجد شيئــــا ، مجرد حبات من الخضر وأحيانا بعض الثياب المستعملة ،التي لا تدري هل اشتراها فعلا أم انه التقطها فقــط في مكان ما..فجأة سمعت دقات على الباب، تململ في مكانه قليلا ..تناهى إليه صوت الحاج محمد ،صــاحـــب الضيعات الواسعة ورؤوس المواشي..
- هل حمدان موجود ؟
ـ نعم ! إنه في الداخل تفضل.
دخل الحاج تسبقه ابتسامة كعادته ودقات عكازه ذي الرأس الحديدي،دائما يبتسم عندما يجد حمدان مستلقيا على ظهره ..مفرقا رجلــيــه.. مغمض العينين ..فاغر الفم .. بدا له كسمكة كبيرة رماها البحر فلفظت أنفاسها. حركه الحاج بحركة من رجلـه.. عاد إلى الرجل شيء من الوعي ،هب جالسا القرفصاء،اخترقت ضحكات الحاج العالية أذنيه وهو يقول :
ـ مابك يا حمدان ؟
هز إليه عينين مثقلتين بالنوم.. أجاب:
ـ العياء يا حاج ! أشعر أن عمودي الفقري قد اعوج ..
حرك الحاج رأسه موافقا قبل أن يردف :
ـ اسمع يا حمدان ! أنت تتعب كثيرا .. تستيقظ باكرا ، تذهب لقطع الأشجار ثم تضــرب فــــي الأرض مسافة أطول لبيعها .. أنهكت نفسك وأنهكت معك ذلك الحمار المسكين يا حمدان ..
قاطعه بكل رضا بالقضاء والقدر :
ـ ما بيدي حيلة .. ثم إني آكل الحلال يا حاج .
اقترب الحاج وجلس جنبه ، ربـت على كتفه وأضاف :
ـ ولم لا تأكله دونما تعب شديد ؟
ـ وكيف يا حاج ؟
ـ تعمل عندي، ترعى الأغنام ولك عندي الربع تمام كل حول، هي كثيرة كما تعلم .. ستغتنـي بسرعة يا حمدان .. مللت التعامل مع الغشاشين الخائنين..ثقتي فيك كبيرة يا حمدان ... معك سأربح وستربح أنت أيضا .
حرك رأسه، مسح الزمن الصعب بنظرة سريعة ...حرمان وأمراض ومتاعب تفتّ في العضــد .قال الحاج وهو يغادر الغرفة :
ـ غدا إن شاء الله سأعود إليك ..
شيعه بنظرات تائهة ، المرأة التي سمعت كل شيء شيعته بابتسامة عريضة ، وعدته بحركة من رأسها . عنــد دخولها الغرفة ، وجدته قد أسدل جفنيه .. وقفت مرة أخرى ترمقه في صمت ثم تركته .

بوجه يبدو عليه الحزم الشديد ، ولحية بيضاء ناصعة كالثلج ،أخذ يسأل وعيناه لا تطرفان . يجيب هــــو وفرائصه ترتعد:
ـ ما عملك ؟
ـ بيع الحطب يا سيدي.
ـ هل تقطع أشجارا خضراء ؟ هل تهجم على ملكيات الغير؟
ـ لا يا سيدي، شعر بغصة في حلقه ،تابع وقلبه يكاد يتوقف عن النبض من الهلع :
ـ لا أقطع إلا يابسا .. وما اقتحمت ملك احد قط .
ـ كيف تحمل الحطب إلى السوق ؟
ـ أربطه بحبل على حماري يا سيدي ، ثم أسير وراءه كعبد .. حتى الركوب لم يسبق لي أن ركبتـــه وهو محمل ، أشفق عليه يا سيدي لولاه ما ..
ـ ومن أين لك الحبل ؟
ـ فـتلته زوجتي .. اشتريت لها الصوف من السوق ، هي من طلبت ذلك يا سيدي.
ـ ومن أين لك بالحمار ؟
ـ آه الحمار! سامحك الله يا رقية، كلما هممت بشراء قليل من الشعير وقفت و صرخت في وجهي وادعيـــــت أن ما اقبضه هزيل .. وانه يرعى في ارض الله المعشوشبة ..تعالي الآن واحملي عني هذا الهم ..
ـ قلت لك من أين لك الحمار ؟
ـ اشتريته يا سيدي ..
ـ من أين لك ثمنه؟
ـ من عرق جبيني يا سيدي ، فقد كنت احمل رزمة الحطب على ظهري في البداية حتى انقصـــــم ..
ـ وهل تطلب ثمنا مناسبا أم تستغل حاجة الناس للحطب فتزيد في السعر ؟
ـ معاذ الله يا سيدي ، منذ عشر سنوات وأنا أبيع بنفس الثمن ،ارتفعت أسعار كل المواد الأساسية إلا مـادة الحطب .. تصور! تصور تعب يوم كامل بثلاثين درهما وفي القرن الواحد والعشرين؟
ـ ماذا تفعل بذلك المبلغ؟
ـ أشتري ما هو ضروري فقط يا سيدي ، المبلغ هزيل كما ترى.. لم اشبع قط من اللحم أو الفواكه ،أحيانـــا تخور قواي فأقعد في البيت كالعجائز..ساعتها نأكل الخبز اليابس ونشرب الماء ..
رفع الرجل المهيب رأسه قليلا إلى السماء ، عاد فنظر إليه قائلا:
ـ حان الفجر . بعد الصلاة سأعود إليك ..

ما تزال فرائصه ترتعد .. قلبه يدق بقوة كساعة مجنونة ، انتبه.. كان الفجر قد بدأ يرسل أشعته عبر كوة في الحائط الطيني ، هب جالسا ، حمد الله في خاطره ثم قام يتوضأ للصلاة .
في ذلك الصباح ، ركب الحمار يريد الاحتطاب كعادته ، اعترضت زوجته طريقه وهي تســــــأل:
ـ إلى أين يا حمدان ؟ وماذا سأقول للحاج إن رجع ؟
سرح ببصره بعيدا وهو يستعيد صورة الرجل المهيب .. أسئلته التي لم تنته بعد ،ثم وخز بطن حمـــاره بكعب حذائه المهترئ :الرﱠ ... الرّ زيدْ الرﱠ!
قبضت على عنق الحمار.. صرخت في وجهه :
ـ ماذا تفعل ؟ أجننت؟
وهو يبتعد ، جلست في دهشة كبيرة وهي تضرب كفا بكف ..

بقيت واقفا للحظات امام الحوار البليغ
دمت ناصرا للفقراء بادبك الجميل
مودتي

موضوع: رد: سأعود إليك الأحد نوفمبر 21, 2010 10:10 pm

عبدالرحيم التدلاوي كتب:: بقيت واقفا للحظات امام الحوار البليغ
دمت ناصرا للفقراء بادبك الجميل
مودتي

شكرا على المرور الجميل

سعيد بقراءتك وتعليقك

كل الود

هذا النص الجميل سبق لي الإطلاع عليه وهو يحمل بين طيات سطوره بالاغة ووعظا نلمسه من خلال الحوار الذي يدور بين حمدان والرجل المهيب..الذي يمكن أن يرمز الى ضمير حمدان الذي تعود على الحياة البسيطة والكسب الحلال..عمله مع الحاج سيضعه في موقف صعب ومثير..هناك سؤال ملح يمكن أن يطرح نفسه عليه وهو هل مال الحاج حلال..؟؟؟؟
شكرا على هذا النص الجميل

محمدمحضار كتب:: هذا النص الجميل سبق لي الإطلاع عليه وهو يحمل بين طيات سطوره بالاغة ووعظا نلمسه من خلال الحوار الذي يدور بين حمدان والرجل المهيب..الذي يمكن أن يرمز الى ضمير حمدان الذي تعود على الحياة البسيطة والكسب الحلال..عمله مع الحاج سيضعه في موقف صعب ومثير..هناك سؤال ملح يمكن أن يطرح نفسه عليه وهو هل مال الحاج حلال..؟؟؟؟
شكرا على هذا النص الجميل

الصديق محضار

شكرا على هذا المرور العطر
أسعدني تفاعلك مع محتوى النص ، وإن كنت اقصد بالرجل المهيب شيئا آخر.
أما سؤالك فيبقى مشروعا طرحه.

كل الود

اخي زايد

نص يحتاج اكثر من وقفة وساعود ان شاء الله لقراءته بتمعن اكثر
لك كل الود
اختك رشيدة فقري

موضوع: رد: سأعود إليك السبت ديسمبر 04, 2010 8:56 pm

زايد التجاني كتب:

محمدمحضار كتب:: هذا النص الجميل سبق لي الإطلاع عليه وهو يحمل بين طيات سطوره بالاغة ووعظا نلمسه من خلال الحوار الذي يدور بين حمدان والرجل المهيب..الذي يمكن أن يرمز الى ضمير حمدان الذي تعود على الحياة البسيطة والكسب الحلال..عمله مع الحاج سيضعه في موقف صعب ومثير..هناك سؤال ملح يمكن أن يطرح نفسه عليه وهو هل مال الحاج حلال..؟؟؟؟
شكرا على هذا النص الجميل

الصديق محضار

شكرا على هذا المرور العطر
أسعدني تفاعلك مع محتوى النص ، وإن كنت اقصد بالرجل المهيب شيئا آخر.
أما سؤالك فيبقى مشروعا طرحه.

كل الود

أعلم أنك كنت تقصد بالرجل المهيب ملك الموت ..وهذا واضح من خلال سطور النص

رشيدة فقري كتب:: اخي زايد

نص يحتاج اكثر من وقفة وساعود ان شاء الله لقراءته بتمعن اكثر
لك كل الود
اختك رشيدة فقري

مرورك شرف النص

لك كل البهاء

مودتي

الاخ زايد التجاني

استمتعت بالنص كثيرا وانا اقرؤه
نص رائع جميل يحمل في طياته تيمات اجمل
دمت ودام لك الابداع اخي

الاستاذ التيجاني كلما فتحت الموضوع الا حال طارئ دون اكماله زائر واجب
اليوم اكملته انه بحق قمة تصوير المعيش اليومي للفقراء ومسلوبي الارادة امام جبروت الجاه والمال
تحية ابداعية استاذ

موضوع: رد: سأعود إليك الأحد ديسمبر 19, 2010 3:58 pm

عباس سمامي كتب:: الاخ زايد التجاني

استمتعت بالنص كثيرا وانا اقرؤه
نص رائع جميل يحمل في طياته تيمات اجمل
دمت ودام لك الابداع اخي

شكرا استاذ عباس

كلماتك الدافئة أنعشتني

كل المودة

عدد الرسائل : 22 تاريخ التسجيل : 19/12/2010

استاد زايد نص جميل وحوار متوافق كل الاعجاب والتقدير

سمعت مقولة في صغري عن الحطب وعلقت به وكانت لغزا لمدة بالنسبة الي حتى كبرت وادركتها
يقول السلف الصالح : الله يجعلنا غابة والناس حطابة واللي حطب شي يسخن عليه ....
نعم هي الكلمات بالحرف ............كبير الشكر والاحترام لك على قناعتك التي صارت عملة نادرة في زمننا

وتحية ادبية رقيقة كنسيم صبح من غابة ارز

موضوع: رد: سأعود إليك الخميس ديسمبر 23, 2010 9:05 pm

مليكة الغازولي كتب:: الاستاذ التيجاني كلما فتحت الموضوع الا حال طارئ دون اكماله زائر واجب
اليوم اكملته انه بحق قمة تصوير المعيش اليومي للفقراء ومسلوبي الارادة امام جبروت الجاه والمال
تحية ابداعية استاذ

استاذة مليكة

سررت بمرورك العطر
لاتغيبي عنا طويلا

كل الود

» إليك يا أماه ...
» إليك والدي
» رسالتي إليك
» كغلالة الورد أجيء إليك
» الشاعرة رشيدة فقري ضيفة برنامج إليك الذي تعده القناة الأولى