عندما يخطئ الأستاذ...التقدير

...خرج باحثا عنها,يستجديها في وجوه المارة,في المحلات الكبيرة و الصغيرة,على سحنات الشيوخ,
و محايا الصبيان.تذكر أنها كانت حكرا على هؤلاء.لكن في قسمه ,استرعى انتباهه قدرة الصغار
المبهرة على اللعب بتقاسيم وجوههم البضة الجميلة,غمزات,ضحكات منافقة و خائنة أعين,
و كلامهم الذي تخطى بأشواط أعمارهم.بعد جولة خفيفة بالشوارع تائها,رجع الى البيت مثخما بمشاهد
الفطر الأبيض الرابض على سطوح المنازل أفخمها و أحقرها.قال في نفسه أكيد أن هذا الماشروم الأبيض
مسموم ,اذن,غير قابل للاستهلاك الآدمي.دخل داره فاذا به يلفي أهلها فاغري أفواههم أمام اطار الضوء
تشحنهم أشعته و أصواته و صوره بالأفكار صالحها و طالحها.نزع بعنف الخيط الكهربائي فاذا بالحضور تعبس
ملامحهم و تدمع مقل الصغير منهم لزوال الصورة عنها .همّ بقول شيء لكن تراجع.و في لمح البصر عادت
للوجوه دهشتها بعد أن أعاد الأمر الى الوضع الذي كان عليه لحظة قدومه.
غادر المنزل,أو بالأحرى هرب من منزله تاركا أولاده و أمهم تحت رحمة الغول الوضّاء..أينما وجّه وجهه
لا يجدها.اعتقد جازما أنها على موعد معه في القسم أو في البيت,لكنها خالفت موعده.بحث جاهدا عن طيفها
القرمزي,القاني,الفاتح,الوضّاح,الباهث,بحث عنها بجميع الألوان.لا شيء.
رجع منكصا,يجر ذيول الخيبة.ما ان وضع رأسه على الوسادة,نام.لم يحلم من شدة التعب.لحظتها فتح عينيه على
عصفورين ألف نقرهما زجاج نافذته عند الفجر ايذانا ببدء يوم جديد قديم.مرغما يركب سلسلة أحداث تٌدير محطات يومه
على عقارب تدور و تدور بلا توقف.بعد الاستيقاظ,وضوء,صلاة,فطور,و مشي نحو المدرسة,لتكون المحطة السادسة من مشوار يومه دخول القسم و الاصطباح بتلكم العيون البراقة و تلكم الوجوه التي طالما أحب أن يصافح من خلالها ما ظل أياما يبحث عنه.
أمام دهشة الجميع أفرغ جامّ غضبه على طيف لاح من وراء واجهة القسم الزجاجية يضحك منه في استهزاء مبرزا لسانه شامتا.
حمدا لله أنه لم ينطق بغليظ من كلام...ضحك ساخرا من سذاجته,فالأطفال منذ سنوات دندناتهم الأولى لهم ريبيرتوار سمين من مثل هذه العبارات.هرش رأسه في ضيق باد.نظر الى الكائنات التي تملأ الطاولات و رؤوسها الفارغة ما يهمه.شرع في الدرس يكتب بالأبيض على سواد السبورة و الضجيج يعلو كلما خطّ شيئا.لما انتهى انتبه لما كتب
-برى براء قلما بريئا برأيه,ساذجا برأي من كان يظن فيهم البراءة.لكن البر من بَرّ و البراءة منكم براء.وداعا.
استقال في اليوم نفسه..

صديقي عدنان الهمص

نص هذه المرة بنفس طويل ممتع للغاية
شكرا لحضورك البهي

السلام عليك أخي حميد
شكرا على ردك الأنيق
آمل أن أكون دائما عند حسن ظنك
عدنان

» خطأ في التقدير
» الأستاذ والتلميذ أية علاقة؟
» االأستاذ أحمد بوزفور يكتب تقديما للأضمومة القصصية
» وصية بويا
» شقاوة أطفال