الأستاذ والتلميذ أية علاقة؟
الدكتورة:صباح بلحيمر
تعتبر القضية التعليمية من القضايا الشاغلة في مغرب اليوم إذ هي مفتاح النهوض الحضاري والتنميتين الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما نلحظه من خلال المحاضرات والندوات الجامعية والتقارير الدولية وما حمله ميثاق التربية والتكوين من تصورات وتوجهات إن هي ترجمت على أرض الواقع.
ولعل المهتم بالموضوع يجد المجال خصبا للعديد من الإشكاليات المطروحة منها:النظريات والنماذج التعليمية(التعليم بالأهداف،التعليم بالكفايات...)ومحتويات المقررات التعليمية وأقطاب العملية التعليمية التعلمية أي الأستاذ والتلميذ ،فالأول من حيث إخضاعه لدورات تدريبية تجعله مواكبا للمستجدات والمتغيرات العلمية والتكنولوجية...
والثاني من حيث الاهتمام به وعدم اعتباره فأر تجربة يخضع لها ولعواقب فشل المناهج أو نجاحها.
ثم الجانب العلائقي بينهما لما أصاب هذه العلاقة من تدهور،فتجاوز المتعلم حدود اللياقة والأدب ليعنف أستاذه بعد أن كانت المدرسة بأطرها هي مكان الانضباط واحترام القوانين والآداب والسلوك القويم،لكن ليس معنى ذلك أن التوتر في العلاقات التربوية أمر جديد،بل كان موجودا والاختلاف هو رد فعل المتعلم الذي تحول من الخضوع والاستسلام أمام هيبة الأستاذ إلى التمرد والعنف،وهذا ما تؤكده تقارير الأساتذة حول السلوكيات غير التربوية لبعض التلاميذ وكلها تصب في خانة الوضع غير الآمن للأستاذ في القسم والمدرسة وخارجهما.
فتعنيف التلميذ لأستاذه هو شكل من أشكال فشل المشروع التربوي،ولا يمكن علاجه إلا بالوقوف على مسبباته واقتراح حلول لها وقبلها رصد بعض مظاهره .
تتجلى بعض مظاهر تدهور العلاقة بين المتعلم وأستاذه في:
-غلبة طابع السلبية وعدم التكيف مع الوسط المدرسي على تصرفات وسلوكيات التلميذ المشاغب ،يصل به إلى حد التمرد على السلطة المدرسية وتعنيف الطاقم التربوي وعلى رأس قائمته المدرس .
-اللامبالاة داخل حجرات الدرس.
-العدوان اللفظي:ويتمثل في الكتابة على الجدران وبعث رسائل تهديد إلى الأساتذة.
-الاعتداء على سيارات الأساتذة.
-إتلاف وتخريب محتويات القسم والمدرسة وإلحاق الضرر بها...
يمكن ربط هذه المظاهر بعدة عوامل منها:
*عوامل اجتماعية:إذ أن التربية كما يؤكد ميثاق التربية والتكوين ليست حكرا على المدرسة وحدها،فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن تنشئة الأجيال والتأثير في سيرورتهم الدراسية والمهنية.
فهي مهمة لدورها الفاعل في تغيير ميولات التلميذ غير السوية وبالتالي الحفاظ على خصائص المجتمع.
لكن كيف يمكننا الحديث عن دور التنشئة الاجتماعية في تحقيق الأهداف المتوخاة أمام إهمال أولياء الأمور عن تتبع مسار أبنائهم الدراسي،وفي ظل مستوى اقتصادي متدني وظروف الفقر والحرمان والإحباط والقهر التعسفي .
وهي كلها عوامل تجعل المتعلم غير متوافق اجتماعيا ونفسيا مع محيطه الخارجي وتصد رمنه ردود غير معقلنة في حال إحساسه بالاحتقار والمهانة من الآخر.
*عوامل نفسية: فسلوك التلميذ العنيف له أكثر من علاقة تأثر وتأثير بمحيطه الخارجي ويتفاعل مع البيئة الاجتماعية والجغرافية التي يعيش فيها،فحسب العديد من الباحثين فإن الناس يختلفون من حيث استعدادهم للتأثر بتجاربهم،لكن يبقى التفاعل بين تراثهم الجيني ووسطهم المعيشي هو المحدد لطبيعة شخصيتهم.
*عوامل تربوية: من الواضح أن معظم أنظمتنا التربوية أخفقت في رسم الأهداف وتحقيقها بسبب إغفالها للعنصر البشري الذي هو محوري وأساسي في التنمية كما أكدت عليه الدراسات العلمية والتجارب المجتمعية،فكانت النتيجة هي مقاومة التلميذ للبرامج الرسمية ورفضه الإنتاج في إطارها.
لذا يتوجب الاهتمام بالتلميذ واستحضاره في المقررات الدراسية وأساليب التدريس والامتحانات المدرسية...والاهتمام بالكيف بدل الكم.
إضافة إلى الاهتمام بعمل الأستاذ داخل القسم وكيفية تعامله مع فئته المستهدفة وطبيعة العلاقة التي تجمع بينه وبينهم ليتحول فضاء القسم إما إلى فضاء تقارب وتفاهم ،أو صراع وعراك،فلا ينبغي إغفال دور الأستاذ في تنامي ظاهرة العنف الموجه له،لأن الأستاذ غير المتفاني عاطفيا في مهنته بحجة ضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية،وغيرالمهتم بمشاكل واحتياجات تلامذته يؤدي إلى تأزم العلاقة.
كما أن غياب قنوات الاتصال بين المدرسة ومنافذ الشغل ،يغيب جانب التحفيز على البحث والتحصيل فيفجر التلميذ المشاغب طاقاته فيما يلحق الضرر به وبغيره.
فما هي يا ترى حلول هذه الظاهرة المعضلة؟
لا يمكنني أن أدعي الإلمام بحلول للظاهرة لأنها تحتاج إلى أبحاث أكثر دقة وعلمية ،لكن من منطلق تجربتي المتواضعة في التدريس والاحتكاك بالمتعلمين يمكنني اقتراح بعض الحلول وهي:
-فتح باب الحوار بين الأستاذ وتلامذته وربط علاقات إنسانية معهم يسودها التفاهم والاحترام دون إلغاء لهيبة الأستاذ ووقاره.
-الاهتمام بالأنشطة الموازية داخل المؤسسات التعليمية وخلق نوادي بها رياضية ومسرحية وثقافية ،لتفجير طاقات المتعلم وتوجيهها نحو الجانب الإيجابي.
-إحداث مراكز استماع متخصصة بالمؤسسات التعليمية،يؤطرها أخصائيون نفسيون واجتماعيون.
-فتح قنوات التواصل بين أولياء الأمور وجمعيات الآباء والأطر التربوية.
-الاستفادة من نتائج أبحاث وتطورات مجال السيكولوجية المعرفية التي تدحض مقولة التلميذ الكسول،بتمكينه من تنمية ذكاءاته المتعددة،واستغلال طاقاته فيما يفيد وإعطائه فرصة الظهور والبروز.
-تغيير جذري في المنظومة التعليمية.