الشعر والحب 3 مجنون ليلى

عن قيس وليلى

كان لا بد أن نقدم دراسة كرونولوجية متقاطعة تحكي حكاية الكتابة الشعرية والحب في تناغم بين الذات والقلم تناغم أرخ لكينونة الشاعر وأسطر لقصته في قالب تراجيدي متمسرح ومتأصل .و قبل أن نتحدت عن حكاية قيس وليلى ومحالة اختبار الامكانات الشعرية التي امتلكها الشاعر في هذا الموضوع وكذا مدى تحقق لذة استقراء هذا المعطى المعرفي فقد جرى الحب مجرى الدم في الجسد، ذلك أنه كان والحرب يشكلان فضاء الحياة ونبضها، فيما كانت القصيدة تجسيداً لها، وتعبيراً أسمى عن انغماس البدوي فيها إلى أبعد تفاصيلها .
والمرأة موضوع الحب، لم تكن في الشعر الجاهلي بمنأى عن موضوع الحرب، بل كانت شريكة للفارس العربي فيها، ولم يكن من الغريب ذهاب النساء إلى الحرب لإعطاء الفوارس حافزاً يجعل من الاستماتة مرادفاً للهوى -1

وتأتي قصة قيس وليلى حكاية عشق وصورة متساوقة مع المرحلة التي وجدت فيها.

سحرتني ليلى بسواد عيونها انما السحر في سواد العيون

ومن السحر بدأ حب قيس لليلى تدريجيا لكن قبل أن نشرع في سرد هده الحكاية الساحرة لابد من معرفة الشاعر من هو قيس ابن الملوح:

لا يذكر الحب في شعرنا العربي إلا ويذكر مع مجنون ليلى هذا الاسم الأسطورة، الذي عرف ضجة نقدية وإبداعية

عاش المجنون في كنف الدولة الامويه. ،استمرت حياته حتى عام سبعين من الهجرة اسمه الكامل هو قيس بن الملوح بن عامر بن صعصعة...

أما ليلى التي أحبها وهام بها وقضي بسبب حبها هي ليلي بنت مهدي … وقد نشأ كليهما في بيت ذي ثراء وافر وخير كثير...

فما هي حكاية هذا الحب العذري ؟

في احدى الصحارى العريبة وتحت خيامها ، وبجانب كثبان رملية وأودية ومياه منساقة مع سحر شعري ولد الصبيان في هذه البادية ترعرع حب فارس أصيل أيقظ وجدانه بشعر محفوظ وأخر مكتوب صبيان يلهوان بالبادية ببراءة قيس وليلى نشا بالقرب من بعضهما تحت ظلال بهية واستيقظت العاطفة بعنوان جنوني لكنه جنون طاهر وبريء.

كبرا الصبيان معا وأرادا لهدا الحب أن يرى النور والوجود الحقيقي لكنه ما فتأ أن انتهى بعد ما اشتهر كما حصل لصديقه جميل فدائما يكون الشعر قول وتصريح والتصريح يؤدي إلى الشهرة والشهرة تؤدي إلى القضاء عن العشق لم يتزوجا هكذا تبدأ نهاية الحكاية

يقولون ليلى في العراق مريضة**** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
فيا رب إذ صيرت ليلي هي المنى**** غرامي لها يزداد إلا تماديا
وتحرم ليلى على قيس وتجبر على الزواج من غيره ولا يحتمل قيس وقع الكارثة فيهيم على وجهه ويخبل عقله وتدركه المنية وهو علي هذا الحال ..شاردا ذاهل اللب فيما يشبه الجنون.وهدا سبب تسميته بالمجنون
الحب جنون والشعر جنون :
أنا الوامق المشغوف والله ناصري ومنتقمي ممن يجور ويظلم
أنا الناحل المهموم والقائم الذي أراعي الترايا والخليون نوم
أظل بحزن دائم وتحسر وأشرب سم فيه كأس وعلقم
فحتام يا ليلى فؤادي معذب بروحي تقضي ما تحب وتحكم
شكلت هذه القصيدة صرخة عبر بها الشاعر ومقه فالوامق هوا لعاشق والشغف إحدى درجات الحب ويقابل الشغف حسب ابن حزم الهيام الجنون العشقي حيت لا يستطيع المحبوب أن يعيش بدون الحبيب ومنه أيضا الجوى فالمجنون في هذه القصيدة يحيل أمره إلى الله حتى ينتقم له ممن كانوا سببا في فراقه وحرمانه من حبيبته الانتقام من عمه الذي غير مجرى حياته إلى أن أصبح نحيل ومهموم وقائم وساهر يراقب النجوم طيلة الليل ويهيم بالنهار أحمقا مشردا ويتساءل مخاطبا ليلى حتام لم ياليلى فؤادي معذب حتام هدا الفراق متى سيزول ولكن لاجواب .......

لعمري ما لاقى جميل بن معمّرٍ كوجدي بليلى، لا، ولم يلق مسلم

ولم يلق قابوسٌ، وقيسٌ، وعروةٌ ولم يلقه قبلي فصيحٌ وأعجم
صبا يوسف، واستشعر الحبّ قلبه ولا كاد داوُد من الحبّ يسلم
وبشرٌ وهند ثم سعدٌ ووامقٌ وتوبة أضناه الهوى المتقسّم
وهاروت لاقى من جوى الحبّ سطوةً وماروت فاجاه البلاء المصمّم
ولم يخل منه المصطفى سيد الورى أبو القاسم الزاكي النبيّ المكرّم

أبيت صريع الحبِّ باك من الهوى ودمعي على خدّي يفيض ويسجم
ولولا طروق الليل أودت بنفسه منعّمة اللحظين تبرى وتسقم
إذا هي زادت النوى زاد في الهوى فلا قلبه يسلو، ولا هي ترحم
هل يحلوا للمرء أحيانا أن يتعدب في قصته أم أن الحب العدري يوقظ في الانسان رغبة السقوط في الفضاء الدرامي من المعدب الحقيقي هل القبيلة التي ررفصت تلبية رغبة الحب أم الشعر الدي أفصح عن السر وفضحه ليكون مطية لا نهاء هدا الوهم ألعشقي حسب رأي بعض النقاد

في حديثهم عن الإبداع والوجع العشقي كلما زاد الفراق زاد الحب وزاد العطاء الشعري وزادت الصورة الشعرية وزاد البناء الاستعاري وزاد التصريح واقترب الموت موت الشاعر أو انتحار أو قضاء العم عليه كل الجمل تؤدي الى حقيقة نسبية مفادها موت الشاعر بعد الفراق لكن في هذه المرة سبقت المرأة الرجل ليلى محبوبة الشاعر

ما حصل أنه بعدما تم تزويجها من رجل أخر حزنت وهكذا رفضت العيش معه في بيت واحد راغبة في الموت في بيت أهلها وافق الرجل وفي طريق عودتها توفيت ... واختلف الرواة في مكان دفنها لكن النابت أن الوفاة كانت فريبة من بيت أهلها وعندما علم المجنون بموتها أخد يذهب إلى قبرها يبكي وينوح كالطفل حتى مات فوق قبرها وفي هدا أيضا اختلف الرواة .. واهم هذه الخلافات القصة التي تقول ... أن أباها عندما علم بان قيس يذهب لقبرها .. وكانت القبيلة في اشد الغضب والحزن والعار .. فليلى جاءت مطلقه تسبقها سمعة سيئة بسبب أشعار قيس .. اتفقت العشيرة بالإجماع بالذهاب إليه وقتله .. وذهبوا إليه وهموا متخذين هذا القرار .. لكنهم فوجئوا بجثة قيس مرمية فوق قبرها .. فاهتزوا جميعا لهذا المنظر المؤثر وبكى عمه وبكت عشيرة ليلى كلها عندما شاهدوا نحافته التي أظهرت عظامه .. وتأكدوا أن قيس كان يحب ليلى بالفعل .. ..

ويحكى أنهم بعدما وجدوه ملقى على الأرض وجدوا الأبيات التالية :

توسد احجار المهامه والكفر ومات جريح القلب مندمل الصدر

فياليت هدا الحب يعشق مرة فيرى ويعرف ما يلاقي الحبيب من الهجر

المصادر والمراجع :

كتاب العشق والكتابة1 ص15