خرجت هذا الصباح عاقدا العزم على شراء هدية لزوجتي التي ما فتئت تلمح لي بذلك بمناسبة اقتراب الاحتفال بعيد ميلادها المقبل. كنت غير مقتنع بطلبها منذ سنوات خلت، ولم أدر ما الذي جعلني لا ألبي لها الطلب. أما اليوم وجدت نفسي أكثر استعدادا لتلبية رغبتها رغم ضيق ذات اليد..لم استفسرها عن نوع الهدية كما لم أشأ أن أخبرها بذلك وفضلت مباغتتها بالمفاجأة. عرجت على الشباك الأوتوماتيكي كعادتي حين أتهيأ للتبضع وسحبت مبلغا افترضت كفايته لشراء الهدية. توجهت إلى محلات المجوهرات واقتنيت بالمبلغ المسحوب خاتما. وعلى امتداد المسافة التي طوتها قدماي في اتجاه منزلي شعرت بالفرح، سأنال على أقل تقدير ما انتظره من إطراء وبعض عبارات إعجاب وحب ،و ..ورضا وامتنان بالهدية .حقا هي هدية من اختياري لم أستشرها ولم أصرح لها بنيتي في الاحتفال بعيد ميلادها، أنا دائما كتوم أجد صعوبة في البوح للآخر بما يختلج في داخلي من أحاسيس وصدق شعور تجاهه حتى وإن كان قريبا لي .كما أن من شيمي أن أحسن الظن بمن أعتقد أنه يصادقني حتى وإن ارتبت أحيانا في مشاعره تجاه شخصي .ترى هل يبادلني غيري نفس الشعور ؟ هذا السؤال طرحته على نفسي مرات عديدة ووجدتني الآن أعيده في أعماقي وأنا أتهيأ لمفاجأة زوجتي.
انفتح الباب الخارجي أمامي ودلفت مباشرة إلى المطبخ ،ودون مقدمات جعلت يدي تنوب عن لساني فسلمتها الهدية. فتحت العلبة الحمراء ، تأملت هي الخاتم بعض الوقت، أما أنا فكنت استفسر نظراتها.أشاحت بوجهها عني ثم ألقت بهديتي فوق رف الأواني وتابعت أشغالها دون أن أسمع منها كلمة شكر .انسحبت محاولا فهم تصرفها،لعلها لم تقتنع باختياري أو لعلها كانت تنتظر هدية ثمينة؟ حاولت أن أنوب عنها في الإجابة عن شتى الأسئلة التي تبادرت إلى ذهني..من الصعب أن أدرك الدافع الذي جعلها تتجاهل هديتي .و.. مهما حاولت ذلك سأجد نفسي أمام ما يشبه العلبة السوداء لطائرة محلقة تعرضت لحادثة سقوط. الفرق بين العلبة السوداء وزوجتي يتجلى في أنه بالخبرة يمكن التوصل إلى معرفة الأسباب التي كانت في مصدر الحادث، بينما زوجتي تتجاوز خبرتي. ..ومع ذلك سأمضي في محاولتي لفهم سبب إعراضها .قد يكون وجودي أمامها في المطبخ وهي منهمكة في أشغالها سببا في تعكر مزاجها .. لكن يبدو لي هذا السبب تافها وغير وارد في مثل هذه المناسبة ..أو قد تكون غير مقتنعة بطريقة تسليمها الهدية ..فالمكان والزمان غير ملائمين بالتأكيد .. أو ،،ولعله الافتراض الأرجح أن الهدية في حد ذاتها غير ذات قيمة تذكر ؟
هل أصرف نظري عنها وأغض الطرف عن الموضوع؟ سأتجنب مثل هذا السلوك مع زوجتي فهي شريكة حياتي وأقرب الناس إلى قلبي، جمعنا نفس المكان منذ عقود ولم نبتعد عنه لحظة منذ أن التقينا أول مرة، وتبادلنا مشاعر الحب والاحترام أو هكذا أعتقد، وذوبنا فرق السن واختلاف الملامح والسمات الخارجية ووحدتنا عاداتنا في المأكل والنوم والتواصل مع الآخرين وغيرها من أمور الحياة اليومية التي انغمسنا فيها كسائر الآدميين واشتركنا في الكثير من المواقف والأفكار ... لهذه الأمور ولأمور أخرى ملازمة لسر علاقتي بها كزوجة، قطعت تفكيري في البحث عن دواعي المشكل وقررت الدوس على كبريائي.
التحقت بها لكنها فضلت مواجهة النافذة بدل النظر إلي.استجمعت ما تبقى لي من قوة على الصبر واقتربت منها لكنها أصرت على الانسحاب وغادرتني. تسمرت في مكاني وتجمدت الكلمات في حنجرتي،.. لم أجد القوة الكافية لثنيها عن الانسحاب فغادرت بدوري المكان دون أن أتمكن من فهم طريقتي في فهم أقرب الناس إلي....