في حياة أخرى
في حياة أخرى
كنت صيادا بارعا
و صديقا وفيا للميناء والنوارس
أخرج ليلا على الساعة موجة إلا هدير
على كتفي أحمل مؤونة خفيفة
و ديوان شعر بحري
حتى أنسجم مع الطقس
يدثرني القمر ببهاء كبير
وتحرسني النجوم مني
لم أكن أهتم بما تبقى في شباكي من أحلام
بأعيني الحالمة أغوص في أغوار مبللة
لأطمئن على خيالي
وأروض جسدي على احتمالات الآتي
منذ صغري علمني والدي
أسرارا كثيرة لا زالت تدفعني
لمزيد من التسكعات المرنة
ووهبني قصبة أطول مني
برِِؤوس حادة
كبرتُ حتى أصبحتُ أطول منها
فحملتني بين يديها الغائبتين
فأصبحت قصبة
وهي أصبحت شاعرة
كلما رمتني في المدى البعيد
أتفادى الأسماك التي أحبها
فأحذرها مني
لكن عقل الأسماك لا يستوعب ذلك
فتعلق في ذراعي
وتتسلقني
حتى أغدو قصبة في رأسها أسماك كثيرة
لذلك ربما
كرهت الحيطان والإسمنت
وصاحبت الريح و القلق
في حياة أخرى
رسمت امرأة كما أشتهي
بجسد متناسق و لذيذ
وعقل مليء باللغة
و مشبع بمياه المغامرة
و روح مجنونة و متوحشة
وقلب لا يعرف الحقد و الغياب
لكن لسوء القدر
هربت المرأة من قماشي
و انغمست في دفاتر شعري
فتحولت لقطعة ثلج لقيطة
حاولت أن أنقح القصيدة
بدل الثلج كتبت...الحقل
لكنها اختفت ثانية
لتظهر بعد خمس سنوات
في حقل دخلته بالصدفة
ضحكت كثيرا
لأن المرأة غدت بدوية طرية
بعيون شهوانية
وجسد حارق
وقدرة رهيبة على القتل البطيء
فقررت أن أفاوض الفزاعة
وأن نتبادل جسدينا
كلما ولجت الحقل ومرت أمامي
أرتعش و أحاول أن أبعثر ملامحي
بدون جدوى
فقررت من جديد
أن أنقطع عن الرسم والشعر وأغادر الفزاعة
وأجرب الطبخ مثلا......أو الرقص
أو بيع الأرواح بالتقسيط المريح
لكن نفس المرأة تباغتني بشكل جديد
و حيل ماكرة
.........................
فا نطفأت
في منفضة سجائر
و صاحبت الرماد
و أشياء مبهمة
في حياة أخرى
تكلمت مع الله
بقلب مفعم بالحزن
وشفتان مليئتان بالوحدة
بعد أن ذكرت له
ما جنته علي طفولتي
وكيف أن المرايا
لا تعكس سوى أخطائي
و أن يدي تسكن فيها
مطارات مهجورة و قصائد داعرة
و أنني تحولت من شاعر حداثي
إلى ماسح أحذية
:و سألته
لماذا يمتصني الجبل
و يشردني المطر
و يؤلمني الشعر؟
وهل فعلا سأ جمد خرائطي
لأبني عشا من حديد؟
وكيف هو مذاق التيه؟
و أين توجد حانوت الذكريات؟
و....و...و
تأملني الله جيدا حتى جردني من جسدي
ووضع عقلي على مائدة خشبية
و قلبي رماه لكائنات بعين واحدة وخمسة أفواه
وأربعة أرجل وعضو آخر
لم أستطع تحديده
و أفرغ مني دمائي
ليضخ فيَ مدادا أخضر
..........................
بعد كل ذلك
ترك في لساني قطعة حجر
زرقاء باردة كجثة
وتلاشى
يوسف الأزرق