| "غنيمة" المرأة الحلزون | |
|
+3الزهرة درار حميد يوسفي لمجيد تومرت 7 مشترك |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
لمجيد تومرت قلم مميز
عدد الرسائل : 44 العمر : 66 Localisation : المغرب تاريخ التسجيل : 23/11/2011
| موضوع: "غنيمة" المرأة الحلزون الأحد ديسمبر 11, 2011 2:45 am | |
| "غنيمة" المرأة الحلزون
في طريقه إلى المدرسة الجديدة التي نقل إليها تعسفا و دون رغبة منه، استرعى انتباهه كائن غريب يتحرك بعيدا أمامه ببطء شديد في نفس الاتجاه الذي يسير إليه. كان الكائن ، في هالته شبه الدائرية ودبيبه الحثيث ،يشبه حلزونا أسطوريا ضخما . دفعه الفضول وحب الاستطلاع إلى الرفع من إيقاع سيره للحاق بهذا الشكل الهلامي الغريب حتى تتضح تفاصيل صورته أكثر...كانت دهشته عظيمة حين اكتشف أن هذا الشيء الضخم رزمة كبيرة، هالتها وحجمها يضاعف حامله مرات ومرات. و حين تعمد إسقاط محفظته كي يتمكن من التقاط الصورة من زاوية أفضل وأقرب، كانت دهشته أعظم، فقد كان من يحمل هذا العبء الثقيل امرأة عجوز تكاد الرزمة تخفي هيكلها...كان جسدها النحيل يشكل زاوية قائمة ، ضلعها العمودي نصف جسدها السفلي ، ونصف جسدها الفوقي ضلع الزاوية الأفقي. يبدو أنها أحست بفضوله وحركاته الاستطلاعية. فقد لمح في عينيها بريقا من التقزز والاشمئزاز والامتعاض. لاحظ ذلك حين أدارت رأسها نحوه و أطلت به عليه، بعد أن أشاحت عنه بعض ذيول الرزمة بيد رفيعة.
تزحزحت مقتربة من الطوار، و بحركة متأنية وبدقة متناهية، وضعت العجوز الرزمة الضخمة المشدودة بعناية تامة إلى صدرها الهزيل على حاشية الرصيف دون أن تسقط من على ظهرها، ودون أن تفقد التوازن. هب إلى مساعدتها على التو، لكنها اتقته بيدها وكأنها تعفيه من عونها. كانت في تلك اللحظة قد أتمت إنزال رحلها بسلام. قرا في نظراتها إليه هذه المرة ، نوعا من الرضا عنه، بدت له ملامح وجهها أكثر إشراقا يجللها حزن دفين...لا شك أن خلف هذا الوجه الصغير، الدارسة أطلاله، مأساة وحكاية عجيبة، القسمات و النتوءات تؤشر على شباب وجمال ضاع ألقهما في عذابات السنين ...خصلات شعر جللها البياض فزاد المرأة وقارا وهيبة لن يدرك سرهما إلا من أحس بعمق و عبء ما تحملت وما تحمل هذه المرأة من أثقال...
قبل أن يتركها ويتابع طريقه إلى العمل، نبست إليه بصوت خفيض لا يكاد يسمع قائلة: "لا تحمل همي آ ولدي..لهلا يوخر بيك زمان...قادرة نهز خيمتي وهمومي قداش ما كبرات ..و نحط رحيلي وقت ما بغيت وفين بغيت ...سير آ ولدي.. ما تعجبش ..الله يسترك.. الوقت توخر بيك .. كيفما توخر بغنيمة البوبوشة ...". التقطت كل جوارحه الحكمة بإصغاء شديد مرهف..وتابع طريقه إلى العمل، قبل أن تبطأ به الدقائق المتبقية..وقد أكبر في المرأة كدها وكبرياءها . ظلت صورتها وحكمتها موشومة في ذاكرته .
طلب الأستاذ من التلاميذ ضمن الأسئلة الاختبارية التي ذيل بها النص، أن يصوغوا من خيالهم نهاية للقصة. و أثناء تصحيحه للأوراق في اليوم الموالي ، استوقفته نهاية كتبتها أنجب تلميذاته "... وبعد خمس سنوات ..في مساء ماطر ..كانت" غنيمة" تحاول العبور إلى الرصيف الآخر من الشارع الرئيسي . كنا نراقب المشهد من بعيد، مختبئين تحت شرفات العمارات حتى لا تبتل ثيابنا ومحافظنا،
وكانت حركة المرور قد وصلت إلى أوجها ..يبدو أن المرأة قد أعياها الانتظار وحملها الثقيل.. فغامرت بالعبور..فكانت الفاجعة المروعة ، شاحنة طائشة تصدم العجوز وترديها جثة هامدة .. وتفصل الجسد عن الرزمة .. مات الحلزون حين تسرع ... وشاع خبر موت" غنيمة" في المدينة. تأسف من تأسف، وحزن من حزن. وفي اليوم الموالي، كان النعش وكان الدفن الهزيل... ومرت أيام، وما عاد أحد يذكرها...وبعد خمس سنوات بطيئة، ها أستاذ اللغة العربية يذكرنا بحكمة "غنيمة"، المرأة الحلزون، التي ما كنا لنستوعبها حين كنا أطفالا تستهوينا مضايقتها والتسلي بها في الدرب وفي الطريق إلى مدرسة الحي الابتدائية "...
قرأ الأستاذ هذه النهاية على تلاميذه في حصة تصحيح الاختبار، عرف أن الحدث فيها لم يكن متخيلا.. أعجبته الصياغة و أعجبه الموقف الذي عبرت عنه تلميذته، وأدرك مرة أخرى، أنه لم يخطئ حين كتب القصة ناقصة أول مرة.. وحين اختارها لتكون موضوعا لاختبار وتقويم كفايات التلاميذ لإنتاج نص سردي مستمد من الواقع.
لمجيد تومرت/ خريبكة / المغرب
| |
|
| |
حميد يوسفي شاعر شارك في ديوان" نوافذ عاشقة"
عدد الرسائل : 2177 العمر : 55 تاريخ التسجيل : 26/03/2008
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الأحد ديسمبر 11, 2011 3:13 am | |
| نأسف كثيرا أخي لمجيد تومرت لهذه النهاية المؤلمة لواقعنا المريض مودتي | |
|
| |
الزهرة درار مشرف
عدد الرسائل : 1048 تاريخ التسجيل : 26/05/2007
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الأحد ديسمبر 11, 2011 2:22 pm | |
| لمجيد تومرت أقرأك هنا قاصا متميزا كذلك تحياتي | |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الأحد ديسمبر 11, 2011 2:58 pm | |
| الفاضل لمجيد تومرت
نص ممتع وسرد مشوق
وأحداث معبرة عن واقع مزري
لك تحيتي | |
|
| |
لمجيد تومرت قلم مميز
عدد الرسائل : 44 العمر : 66 Localisation : المغرب تاريخ التسجيل : 23/11/2011
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الإثنين ديسمبر 19, 2011 1:15 am | |
| - حميد يوسفي كتب:
نأسف كثيرا أخي لمجيد تومرت لهذه النهاية المؤلمة لواقعنا المريض مودتي هي فعلا قصة واقعية مؤلمة، و بطلتها واقعية تقبل شكري و مودتي | |
|
| |
لمجيد تومرت قلم مميز
عدد الرسائل : 44 العمر : 66 Localisation : المغرب تاريخ التسجيل : 23/11/2011
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الإثنين ديسمبر 19, 2011 1:21 am | |
| - الزهرة درار كتب:
لمجيد تومرت أقرأك هنا قاصا متميزا كذلك تحياتي أختي درار، مرورك هنا أزهر و أثمر تقبلي شكري و مودتي | |
|
| |
لمجيد تومرت قلم مميز
عدد الرسائل : 44 العمر : 66 Localisation : المغرب تاريخ التسجيل : 23/11/2011
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الإثنين ديسمبر 19, 2011 1:28 am | |
| - محمد الطيب كتب:
الفاضل لمجيد تومرت
نص ممتع وسرد مشوق
وأحداث معبرة عن واقع مزري
لك تحيتي
العزيز محمد الطيب، دامت لك متعة القراءة و رقة و رهافة الإحساس. تقبل تحياتي و مودتي | |
|
| |
جمال السيد
عدد الرسائل : 556 تاريخ التسجيل : 19/03/2008
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الإثنين ديسمبر 19, 2011 2:02 am | |
| الصديق لمجيد تومرت دمت على قيد الابداع الجيد دام لك هذا التألق وأكثر | |
|
| |
محمد باشير بن عبد الرحمان
عدد الرسائل : 122 العمر : 55 تاريخ التسجيل : 06/11/2011
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الإثنين ديسمبر 19, 2011 5:45 pm | |
| كثيرا أخي لمجيد تومرت ما نشاهد في شوارعنا ..وفي دروبنا ..وقرب مساكننا ..مثل هذه المرأة الحلزون مشردون يحملون على كواهلهم رزما من أتعاب غير مرئية تثقل على نفوسهم المنهكة دون أن تتحرك ضمائرنا النائمة ......... | |
|
| |
محمدمحضار مشارك في الأضمومة القصصية حتى يزول الصداع
عدد الرسائل : 474 العمر : 63 Localisation : خريبكة تاريخ التسجيل : 18/01/2010
| موضوع: رد: "غنيمة" المرأة الحلزون الثلاثاء ديسمبر 20, 2011 3:50 pm | |
| أخي عبد المجيد تحية طيبة ، ها أنت تعود بنا سنوات إلى الخلف ، وتنعش الذاكرة بقصة تتناول حياة غنيمة تلك المرأة التي احترفت جمع كل ما تقدر عليه من علب الكارتون والمتلاشيات ، على ظهرها ، وكأني بها سيزيف يحمل الصخرة ويصعد الجبل ، غنيمة كانت تقطع المسافة الفاصلة بين خريبكة ووادي زم بحملها ، لا يهم كم تستغرق الرحلة ، المهم أنها تتنقل وتمارس حياتها بل قل عذابها عن طيب خاطر .....مودتي أيها المبدع الجميل | |
|
| |
| "غنيمة" المرأة الحلزون | |
|