رسالة إلى سيدي القاضي
الحلقة الرابعة- الدكتورة:صباح بلحيمر.
7-ممنوعات على القضاة:
أ-هدية القاضي:أرادت الشريعة الإسلامية من استفاضتها في آداب القضاء،وشروط القاضي أن تحقق العدالة والمحاكمة النزيهة،التي لا تشوبها الشوائب،فمنع الفقهاء هدية القاضي ومنهم النووي في قوله:"فإن أهدى إليه من له خصومة أو لم يهد قبل ولايته حرم قبولها،وإن كان يهدى ولا خصومة جاز بقدر العادة والأولى أن يثيب عليها"1.
ويقول ابن فرحون المالكي:"ويلزم القاضي أمور منها:أنه لا يقبل الهدية وإن كافأ عليها أضعافها،إلا من خواص القرابة كالولد والوالد والعمة والخالة،وبنت الأخ وشبههم،ولأن الهدية تورث إذلال المهدى إليه،وفي ذلك ضرر القاضي ودخول الفساد عليه وقيل :إن الهدية تطفئ نور الحكمة"2.
ويقول الماوردي:" وليس لمن تقلد القضاء،أن يقبل هدية من خصم،ولا من أحد من أهل عمله وإن لم يكن له خصم ،لأنه قد يستعديه فيما يليه"3 .
وحرمها الصحابة رضوان الله عليهم،ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي استعمل رجلا من بني أسد،يقال له زهير بن ضبيعة،فلما جاء قال لأمير المؤمنين:"إنه أهدي لي في عملي أشياء،وقد أتيتك بها فإن كانت حلالا أكلتها،وإلا قد أتيتك بها"، فقبضها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال:"لو حبسته كان غلولا"4
8- ضيافة الخصم:
كره الفقهاء ضيافة أحد الخصمين،مستدلين على ذلك بسيرة السلف الصالح،وفي هذا قال الشيخ الأنصاري:"ويكره أن يضيف أحد الخصمين،لأنه قد يوجب الميل معه فلا يسوي بينهما،خصوصا مع الأمر بإكرام الضيف،زائدا على غيره من الحضار".
وذكر رواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،أن رجلا نزل ضيفا لأيام قادما في خصومة لم يذكرها لأمير المؤمنين،فقال :أخصم أنت؟قال:نعم،قال:تحول عنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضاف خصم،إلا معه خصمه 5
9-رعاية شؤون القاضي المادية والمعنوية:
مما يشعر القاضي بالقوة وعدم الحاجة إلى الآخرين،فينتج الحيادية في إصدار الأحكام،يقول الفكيكي"وقد مشت أكثر الحكومات في الشرق والغرب على هذه القاعدة في إصلاح المحاكم والحكام،وأحسن مثال نضربه للقارئ في هذا الباب،وضع قضاة انجلترا،وما لهم من الضمانات الكافلة لاستقلال القضاء التام،وها إننا ننقل النبذ الآتية:ليس في الحكومة الإنجليزية وظيفة تعادل في مركزها ومرتبها مركز قاض بالمحكمة العليل،فقد أحيطت الضمانات التي تكفل لصاحبها الاستقلال التام فمرتبها ثابت،قدره خمسة آلاف جنيه يعادل مرتب رئيس الوزراء "6.
وفي هذا يقول علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعامله –مالك الأشتر-: "وافسح له في البذل ما يزيل علته ،وتقل معه حاجته إلى الناس" 7
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه،يعطي شريحا القاضي مائة درهم،فلما تولى علي بن أبي طالب،زاده أربعمائة درهم على راتبه السابق،فأصبح يتقاضى شهريا خمسمائة درهم.8
الهوامش:
1-القضاء والنظام القضائي ص 158.
2-تبصرة الحكام 1/32-33.
3-الأحكام السلطانية ص 75.
4-أدب القاضي للخصاف ص 23.
5-كتاب القضاء ص 80.
6-الراعي والرعية لتوفيق الفكيكي ص 54-55.
7-القضاء والنظام القضائي ص 107.
8-أدب القاضي للماوردي ص2/295.