رسالة إلى سيدي القاضي
-الحلقة الثانية-
الدكتورة:صباح بلحيمر
3- شروط القاضي:
للقضاة مكانة هامة في المجتمع،لأنهم تناط بهم مسؤوليات خطيرة،وهي الحكم بين الناس وإقامة العدل، لهذا كان اختيارهم وفق صفات وشروط تتناسب مع مركزهم.
وقد عدد الفقهاء شروط القاضي ،انطلاقا من استنباطهم من النصوص الشرعية التي تشير في ضمنها إلى شروط من يتولى مهمة القضاء وهي تنقسم إلى شروط صحة ،وشروط استحباب.
وشروط الصحة المتفق عليها إجمالا 1:
*أن يكون مسلما:فلا تصح ولاية الكافر،لقوله سبحانه:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"2.
*أن يكون بالغا عاقلا:فلا تكليف على الصغير والمجنون،قال الماوردي:"أما البلوغ فإن غير البالغ لا يجري عليه قلم،ولا يتعلق بقوله على نفسه حكم،فكان أولى أن لا يتعلق به على غيره حكم"وعن العقل قال :"وهو مجمع على اعتباره،ولا يكتفى فيه بالعقل الذي يتعلق به التكليف من علمه بالمدركات الضرورية،حتى يكون صحيح التمييز جيد الفطنة،بعيدا عن السهو والغفلة ،يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل".3
*أن يكون حرا:لأن العبد مسلوب التصرف.
*أن يكون سليم الحواس:فالحواس هي الوسائل بين المعقولات،وسلامتها أمر هام لولاية كولاية القضاء،وخاصة حاسة السمع،ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر".4
قال ابن قدامة:"وأما كمال الخلقة،فأن يكون متكلما سميعا بصيرا،لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم،ولا يفهم جميع الناس إشارته،والأصم لا يسمع قول الخصمين،والعمى لا يعرف المدعى من المدعى عليه،والمقر من المقر له،والشاهد من المشهود له."5
*أن يكون عالما بالأحكام الشرعية.
*أن يكون عدلا:وللعدالة شروط وهي:
-صدق اللهجة
-الأمانة
-العفة عن المحارم
-الابتعاد عن المآثم
-البعد عن الريب
-أن يكون مأمونا في الرضا والغضب
-مستعملا لمروءة مثله في دينه ودنياه.
أما شروط الاستحباب :6
فقد استحب الفقهاء توفر شروط في القاضي،زيادة على الشروط السابقة ليبلغ غاية التمام وهي:
-الكفاية:أن يكون قويا قادرا على تنفيذ الحق بنفسه،ولا يكون ضعيفا،يطمع في جانبه.
-غير مستكبر عن مشورة من معه من أهل العلم
-غنيا ،عفيفا،فطنا ،متأنيا ،صدوق اللهجة،كثير التحرر من الحيل...
وهو ما لخصه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتابه إلى والي مصر:"ثم اختر للحكم بين الناس،أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور،ولا تمحكه الخصوم،ولا يتمادى في الزلة،ولا تشرف نفسه على طمع،ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه،وأوقفهم في الشبهات،وآخذهم بالحجج،وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم،وأصبرهم على تكشف الأمور،وأصرمهم عند اتضاح الحكم".7
الهوامش:
1-بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 2/463-المغني لابن قدامة 10/93-تبصرة الحكام لابن فرحون 1/26-الأحكام السلطانية للماوردي ص 65.
2-سورة النساء جزء آية 141.
3-الأحكام السلطانية ص 66.
4-أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين،حتى يسمع كلا منهما،رقم الحديث 1331-سنن البيهقي الكبرى ،كتاب آداب القاضي،باب القاضي يكف كل واحد من الخصمين.
5-المغني 10/92.
6-المغني 11/385-تبصرة الحكام 1/28-29.
7-القضاء والنظام القضائي عند الإمام علي للدكتور محسن باقر الموسوي ص 101-102.