or=black]'A[b]rial']4[color:8872=blac[size=24:e9ca]k]f81[size=2[b]4]bd] التحول إلى نور [/font]
1- البناء
بدأ مشروع "الأطهار" من فريق عمل متكامل من علماء سئموا الفساد ,الذي استشرى في الأرض. شكلوا فريقاً همه البحث عن كوكب مناسب يهاجرون إليه, ويشكلون مجتمعاً فاضلاً,يستخدم العلم للتقدم ولتحقيق رفاهية أفراده .
عرفوا أنهم لن يحموا أنفسهم إلا إذا امتلكوا القوة,قوة تحقق لهم إمكانية تجسيد أحلامهم الخيرة, قوة يرهبون بها أعداءهم الطامعين في خيرات مجتمعهم المتطور.
تركزت أبحاثهم على قوى نظيفة ,ودائمة ,ولا يسرقها أحد منهم .وبعد جهود مضنية وجدوا أن القوة الحيوية هي من أكبر القوى التي توجد على الأرض وأن كون مصدر القوة من داخل الإنسان هي خير طريقة لمنع الشر من استلاب تلك القوى قسراً.
عمل فريق من العلماء على تلك القوة الناتجة عن الحياة التي تشغل الخلية تشغيلاً يفوق آلاف المرات تشغيل أي مصنع, والتي لها تأثير يؤدي إلى عمل الجهاز العصبي بإشارات كهربائية ضعيفة مما يؤدي إلى حركات العضلات وأجهزة الجسم عبر سائل عصبي يفوق كل الموصلات الالكترونية المعروفة بملايين المرات.
عمل فريق آخر على مواضيع مثل الهالة والطاقة الإيجابية والسلبية لجسم الإنسان, وما لها من تأثيرات ساحقة أحياناً, بحيث أن لمسة شافية لها من التأثير الفعال ما يفوق تأثير معالجات إشعاعية أو كيميائية أو جراحية أو دوائية.
وفريق درس المجال الكهرومغناطيسي لجسم الإنسان الحي وتغيراته مع تغير الحالات النفسية والجسدية .بينما تابع فريق آخر إمكانية إيجاد هندسة جينية أخلاقية .ورغم المخاطر الأخلاقية لهندسة الجينات التي قد تفترض إنتاج إنسانٍ صالحٍ بالوراثة. لم ينجح هذا الفريق تماماً في تجاربه, بل ظل الإنسان المعدل يقوم بخياراته بنفسه دون أن تفرضها عليه قوانين الوراثة .
ووصلت النتائج إلى إنتاج أنسال إنسانية "طاهرة" ذات محرك نوري وهو محرك داخلي مغروس بالجسد تفرضه الجينات, وما من داع لإجراء عمليات زرع له في كل مولود جديد. وقود المحرك قوة حيوية تكون مختزنة به تحفزها عمليات الاستقلاب القوية والسريعة التي تتم في مرحلة النمو ثم وعند الوصول إلى سن الرشد, تستمد من الطاقة الإيجابية التي يحصل عليها الإنسان من جهازه العصبي الخاص عندما يتخذ قرارات أخلاقية.
كلما كانت قرارات المخلوق أكثر سمواً أخلاقياً أيً كلما ازداد المخلوق طهراً, ازداد وقود محركه النوري, بشكل يمكنه من استخدام الطاقة في الحركة بشكل أسرع, فيتحول جزء منه إلى نور,ويطير بسرعة هائلة,كما يمكنه استخدام ما يفيض من هذه الطاقة في أي عمل مفيد ,وما أكثره هناك في الكوكب الفاضل الذي هاجر الأطهار إليه, مما أدى لتقدم علمي هائل .
وينتج عن استخدام ذلك الوقود الحيوي الذاتي إشعاع مميز للكوكب الفاضل,كان بمثابة العلامة التجارية المميزة, يدل على تقدم سكانه وقوتهم مما حماهم لأجيال طويلة من الأطماع الخارجية.
في أجسامهم كانت هناك منافذ خاصة للإشعاع في عيونهم التي كانت تتألق بشكل خاص عند حركتهم السريعة التي تحولهم جزئياً إلى شكل من أشكال الطاقة.
كان كوكباً فاضلاً كاملاً ,حكم بالعدل حتى لم يبق فيه سجن أو قضاء ,حكم بالأخلاق فصارت المثالية فيه بديهية لا حاجة لمناقشتها أو برهانها. إلى أن تسللت إليه أنفاس الشر, أنفاس مسمومة, تسللت ربما بسبب الغيرة, وربما لأن الشر المطلق يخاف النور, فهو يظهر بشاعة الظلام ونتانة زواياه وعفنها,فيحاول خنقه وامتصاصه.
كان مجتمعاً حصنه أعضاؤه بأنفاسهم الطاهر, لسكانه من النقاء والشفافية ما يجعلهم أطهاراً يتوالدون أجيالاً لم تعرف سوى الخير . ومع تقادم الأزمان ومرور الأجيال وراء الأجيال, نسي الخلف كم وكيف اجتهد وكد أسلافهم للحصول على هذا النقاء.نسوا كيف تغسل القلوب قبل الأبدان, وكيف تطهر الأفكار قبل الرؤوس.أو ربما لم يفكروا بذلك لأنهم لم يحتاجوه يوماً.
لم يشكل هذا النسيان مشكلة للأطهار سابقاً, إذ أن جيناتهم كانت تحمل سر تطورهم وسر حركتهم السريعة الفريدة, كما أنها مازالت تحمل تلك النقاط الضعيفة التي لم يسبق لها الظهور, والتي تعود للأزمان السحيقة قبل توصل أجدادهم لسرهم في التحول إلى نور.ومن هذه النقاط ستهاجمهم فيروسات الفساد على حين غرة.ولم يتوقعوا ذلك قط لأنهم اعتقدوا أنهم محصنين بالقوة المنتجة للإشعاع الذي تميز به الكوكب الفاضل.
اسمه " الطاهر" مخلوق نقي برئ شفاف. تمكن من شده طهارته أن يتحول إلى كائن لطيف , ينشر النور أينما حل, ويوزع الخير كيفما نظر. ولأن الأشجار المثمرة ترمى بالحجارة, والأكثر ثمراً ترمى بحجارة أكثر,فقد كان الطاهر محط نظر "بلعون" ذلك الكائن القادم من كوكب الفساد, فدرسه دراسة مستفيضة متأنية لمعرفة نقاط قوته و نقاط ضعفه.
استطاع بلعون حكم كوكبه ,وجاب الكون ونهب كثيراً من الحضارات,ثم حطمها .وكان مهووساً بالسيطرة فلم يستطع إلا أن يوجه أنظاره نحو الكوكب الفاضل فقد كان يشكل بإشعاعه الفريد نقطة جذب لانتباهه لم يستطع مقاومتها, وكان الطاهر بحركته المميزة وقوته الهائلة هدفه الرئيس.
فكر بلعون كثيراً في خطة الهجوم على الكوكب الفاضل. فوجد أن الحرب المباشرة لن تنفع ,حيث يقل مستواه التقني كثيراً عن مستوى المتحولين إلى نور, والقوى التي جمعها لا تشكل حتى جزءاً ضئيلاً مما يملكونه من قوى.
عرف أن الحيلة هي سبيله الوحيد, فلجأ إلى استقطاب الأشعة النورية الواصلة إلى كوكبه. وسلطها على ليزرات مضاعفاً إياها ملايين المرات. ثم وضع مرايا عاكسة موجهة إلى الكوكب الفاضل. وسدد الأشعة المليزرة وبثها بأقصى قوة يمتلكها.
انتبه الأطهار لذلك الوافد الجديد الذي ظهر في سمائهم فجأة. ميزوا أشعتهم النورية النادرة. ثار فضولهم لمعرفة ذلك المتفوق عليهم بشدة إشعاعه ,فافترضوا حكماً أنه يمتلك محركات مثلهم ولكنها أقوى لأنها المنتجة للإشعاع المليزر,أي أنه يتفوق عليهم بطهارته.
خدعة بسيطة انطلت على أولئك الذين نسي أجدادهم أن يتركوا لديهم ذرة شك بالوافدين الغرباء, ولم يعلموهم الحيل في التسلل والتخريب. خدعة بسيطة انطلت عليهم ليس لأنهم أغبياء بل لأنهم لم يتوقعوا الغدر, ولأن الخير بشفافيته يرفض أحياناً الاعتراف بقبح وجود الشر.
بادر الأطهار إلى بث رسائل للكوكب "المتطور"محاولين الاتصال بشبيههم لمد جسور من التواصل التقني والإنساني بينهم و بينه.كان بلعون يعاني من مشكلة جدية وهي كيفية إقناع الأطهار بنفسه وهو لا يتمتع بالحركة السريعة. تفتق ذهنه عن فكرة جهنمية وهي أن يتقمص أكثر المخلوقات الطاهرة نقاءً وقدرة على الحركة فلا يثير الشك والريبة في نفوس الأطهار , ووقع اختياره على الطاهر الذي كان يتمتع بأسمى الأخلاق مما جعله الأكثر سرعة في تنقله ومن ثم الأكثر شدة في إشعاعه,مما أدى لكونه أكثر الأطهار لطافةً وخفة ًومنزلة رفيعة في كوكبه, فلن يرق إليه الشك. درس جينات الطاهر وتصرفاته وحركاته ومكانته في مجتمعه وظهرت له مشكلة و هي" سرعة تنقل الطاهر" التي قد تصل إلى سرعات كبيرة جداً ,لن يستطيع بلعون تحملها, فقد كان الطاهر عندها يتحول إلى نور يشع من عينين فقط ولا يبق من جسده المادي شيء في بعض الأحيان. وأخيراً وضع خطته وشرع بتنفيذها.
2- التصدع
كانت الخطة تقتضي إفساد الطاهر حتى تقل سرعة حركته, والانتظار لاقتناص الفرصة المناسبة لكي يندمج بلعون بجسد الهدف, فيحصل على مبتغاه من القوة النورية من داخل هذا الكائن إذ أنه من المستحيل سرقتها أو أخذها عنوة.
شرع بتنفيذ خطته خطوة خطوة, فبعد تجاهله رسائل كوكب الأطهار لفترة, أرسل لهم جواباً رائعاً ضمنه الكثير من الأكاذيب والوعود الزائفة . هو الذي أتقن فنون الكذب وهم الذين لا يعرفون معنى الكذب ولماذا الكذب .
هو اكتسب خبرته من كثير من الحروب والخداعات أمَا هم فلم يخوضوا حرباً قط ,إذ لم يجرؤ أحد سابقاً على مهاجمتهم لقوتهم المستنتجة من إشعاع كوكبهم ,وهم لم يهاجموا أحداً لأخلاقهم العالية.
وطلب أن يرسلوا له سفيرا ًليبعث معه هداياه التقنية القيمة التي جمعها من أنحاء الكون, واشترط أن يكون هذا السفير الأكثر سرعة بينهم لتصل عطاياه لهم بأسرع وقت ممكن.
فرح الأطهار برد بلعون عليهم فرحاً شديداً,فقد ظنوه أكثر تقدماً وطهارةً منهم. واجتمعوا على رأي واحد حول شخصية السفير المنشود ألا وهو الطاهر ورجوا أن يكون على مستوى لائق بالكائن السامي حسب معتقدهم " بلعون" .
حل بلعون مشكلة العيون المشعة بتركيب عدسة عاكسة على إحدى عينيه وبث عليها الإشعاع النوري فبدت كأنها حقيقية وترك العين الثانية ليرى بها,وتأهب لاستقبال الطاهر.
وصل الطاهر إلى كوكب الفساد بسرعة كبيرة, فقد كان بشوق للتعرف على الحضارة العظيمة التي تحدث عنها بلعون في رسالته إليهم .
استقبله بلعون بنفسه بمظاهر باهرة حشد فيها كل إمكانياته التقنية واستخدم كل أساليب الغش والخداع في إيهام الآخرين بقوته ,فبلعون بعد دراسته المستفيضة للكوكب الفاضل عرف أن بعض الأشياء العادية غير متوفرة عندهم وهي بخسة الثمن عنده فوضعها في خزائن عرض كبيرة وأحاطها بالحراسة المشددة مما يوحي بأنها ذات أهمية عظيمة وادعى أن لها خصائص عجيبة تكاد تكون سحرية.ولم يعتمد فقط على الشكل حيث كان الطاهر أنقى من أن يتأثر بظواهر الأمور و بشدة البهارج.
عرف بلعون بذكائه أن الطاهر سيتساءل عما حدث للمنفذ الثاني في عينه فسارع بالحديث عن فقدانه له في إحدى الحروب, التي وقف فيها إلى جانب مظلومين, وليس لحرب شخصية, فهو يبغض الحرب ولا يلجأ لها.مما أثلج صدر الطاهر لمعرفته هذا المخلوق القوي الشهم.
عندما دخل الطاهر وبلعون صالة الحكم, لم يرض بلعون إلا بجلوس الطاهر مكانه, فرح الطاهر بهذا الاستقبال الملكي الهائل, وفرح بتودد بلعون إليه أيضاً .
بدأ بلعون بخطوته الثانية فأثنى على الطاهر وكال له المديح وقال له:" أنت أفضل المخلوقات التي عرفتها خلال تجوالي في أنحاء الكون"وظل على هذا الدأب لساعات طوال وهو يقدم الهدايا للطاهر ويدس السم في الدسم من خلال مديحه له حتى كاد يؤلهه.
أحس بلعون أن سهمه أصاب موقعاً في نفس الطاهر, فزاد في طريقته الخبيثة وثابر عليها, حتى بدأ الكبر يدخل قلب الطاهر وينكت فيه نكتة سوداء,حالما دخل الكبر نفس الطاهر تقلصت قدرته على الحركة والإشعاع فقد قل وقود محركه بشكل لم يحسه إذ بدأ بالانشغال بإعجابه بنفسه, فهو يعرف مكانته بين أقرانه وها هو المخلوق السامي بلعون يكاد يسجد له, مما أكد له أنه جدير بذلك.
لم يشعر الطاهر بمصيبته حيث أثقلت بذرة الغرور, التي بدأت بالنمو,حواسه المرهفة التي كان يثق بها كونها لم تخذله سابقاً,فلم يخطر في باله وجود مشكلة .
أعطى بلعون الطاهر الكثير من الهدايا للأطهار جميعاً ,منها "غبار كوني " من سديم بعيد ادعى الوصول إليه زعم أنه يشفي الأمراض, التي ظهرت حديثاً في كوكب الأطهار بسبب إرسال بلعون قذائف من كائنات طفيلية طورها خصيصاً, كان ذلك الغبار مبيداً لها.
وحمله الكثير من الأتربة, التي لا طائل منها سوى بعض الادعاءات بأنها ذات ميزات وهمية.
وأعطاه بعض الجواهر والأشياء الثمينة واقسم عليه أن تكون له فقط ولا يعطيها لغيره.وأعطاه أعطية غريبة رجاه أن لا يستخدمها حتى يسمح له مبرراً سلوكه بحجة أن مستوى التقدم لدى الأطهار لم يبلغ بعد القدر الذي يجعلهم يستوعبون أو يتحملون تلك الهبة .
رجع الطاهر متثاقلاً إلى كوكبه ظاناً أن سرعته انخفضت بسبب ثقل الهدايا التي يحملها. ولم ينتبه أحد من الأطهار إلى انخفاض إشعاعه لانشغالهم بالهدايا.
صدق الجميع ما جاء به الطاهر من عند بلعون وفرحوا به كثيراً لاسيما عندما استخدموا الدواء الذي أرسله لهم لعلاج مرضهم الجديد فأفادهم وشفاهم بسرعة كبيرة فظنوا أن كل الأعطيات فعالة كالدواء.
غذت عبارات الشكر والامتنان بذرة الكبر عند الطاهر, وسقتها حتى نمت, و وصلت إلى رأسه. فثقل وقلت قدرته على الطيران, غير أنه انتفخ وصار فارغاً .وهو يظن نفسه يطير بين النجوم .وقل إشعاعه إلى درجة أقل .وكل ذلك يراقبه بلعون من كوكبه عبر مرقاب الإشعاع النوري.
عندما أعطى الطاهر الهدايا لسكان كوكبه, استبقى هداياه الشخصية, استغرب البعض سلوكه ,والبعض بذرت في نفسه بذرة الحسد, ودب المرض فيهم أيضاً, وانخفض إشعاعهم,وبعضهم استفهم من الطاهر عن سبب احتفاظه بالجواهر لنفسه , وهو الذي بدأ يدافع عن ممتلكاته بأن بلعون اقسم عليه أن يحتفظ بها, لأنه جدير بها, مما زرع فيه حب الامتلاك وقد كان سابقاً يتقاسم كل شيْ معهم بل ويؤثرهم على نفسه, وهنا بذرت بذرة أخرى من الفساد نمت لتخفض لديه الوقود الحيوي ومن ثم الإشعاع النوري إلى الدرجة الأقل وهذا ما رصده بلعون.
قال بلعون للطاهر :"أهديتك جهازاً رجوتك أن تستخدمه في الوقت المناسب وقد حان. سأبعث لك نشرة تعليماته" وعندما فتح العلبة وجد مجموعة من الرجال الآليين و النساء الآليات المبرمجات لكي ينشروا فنون الفساد الجنسي وفق طرق مبهرة تعمي المستخدم لها عن هدفها.
وزع الطاهر تلك المجموعة على بعض رفاقه كما استخدم بعضها, فران على قلبه ما كسب ففقد بعض بياضه. و انخفضت درجة إشعاعه .
عرف بلعون أنه قد آن الأوان للخطوة الثالثة فبعث رسالة ظاهرها الحب وباطنها البغض والشر, نصح فيها لهم نصيحة "الناصح الأمين" كما وصف نفسه, وأرشدهم لطريقة يزدادون بها تقدماً, وهي أن يولوا عليهم أحدهم.اجتمع الأطهار وابتلعوا الطعم ,فقد كان أمرهم شورى بينهم, فصار بيد واحد فقط منهم ,يتحكم به بلعون جزئياً عن بعد. قرر الأطهار أن أفضل شخص يتولى قيادتهم أكثرهم نقاءً وهو الطاهر. وذلك كان يحدث بشكل تلقائي من قبل, حيث كان الطاهر حكيمهم القائد لهم, ولكن بدون تسميات مقولبة. وكانت قراراته صائبة يتبناها الكل لمعرفتهم بسمو أخلاق الطاهر ورفعتها. هذا المنصب زاد في غروره. ونمت فيه بذرة حب السلطة مما أدى لتراجع إشعاعه للدرجة المتوسطة.
أرسل بلعون رسائل تعلم الطاهر فن الإدارة والقيادة بطريقته المتسلطة وأصبح الطاهر يستشيره في كل صغيرة وكبيرة بعد تخليه عن طريقة حكمه السابقة, مما أتاح لبلعون نفث سمومه عبر رسائله. فنصحه باختيار البعض لحراسته ولإيجاد هيبة لحكمه أن يبعد الآخرين, إذ لا يليق به أن يتحرك كبقية الأطهار. ونصحه باختيار هيئة مستشارين, كان بلعون قد رصد انخفاض حركتهم سلفاً.
ما انقضت مدة قصيرة ,حتى بدأ الفساد يستشري في الكوكب الفاضل. انقسم السكان إلى فئات منها : فئة مقربة من الطاهر لها حقوق لا تتمتع بها بقية الفئات, وهي تستشعر التفوق ,وتستبيح كل شيء للحفاظ على امتيازاتها.مما أدى للمزيد من البطء بحركتها.وفئة أخرى مازالت نظيفة تتمتع بحركتها كيف تشاء. وفئة ثالثة أكلها الحسد والغيرة من الفئتين السابقتين لأنها لم تطل السلطة ولم تعد تمتلك الحركة بنفس القوة والسرعة مما يزيد الطين بلة عندها.وانخفضت درجة إشعاع الكوكب كله.
وضرب بلعون ضربته الأخيرة فدخل بلعون جسد الطاهر, ودمج خلاياهما معا, وانقسم الكائن الجديد "الطاهلعون " نصفين :جسدان لكل منهما محرك نوري وقوده قليل ,وشخصية فيها من النقاء والطهر القليل, ممزوجان بالخبث والفساد الكثير. ذهبت إحدى نسختي الطاهلعون إلى كوكب الفساد وبقيت الثانية في الكوكب الفاضل.
ولأن ملعقة من السم تكفي لإفساد طبق كبير من الطعام الطيب- فما بالك إذا كان الفساد قد دب في الطبق أصلاً- فقد فسدت نسختا الطاهلعون بشكل كبير.ولكنهما بقيتا تتمتعان بشيء من القوة و الحركة الضعيفة.
3-الترميم
كان إدريس أحد أولئك الشرفاء الذين نأوا بجانبهم عن تلك المعمعة, ولم تتأثر حركته السريعة أصلا ً. والتي حصل عليها بسبب محبته للعلم والتعلم ,فرُفع بعلمه مكاناً علياً.
تنحى جانباً وراقب وعرف أن أيد خفية تلعب بأبناء جلدته. فبدأ يدرس مشكلة كوكبه حتى توصل إلى أن توقيت بدء المرض كان بوصول بلعون إلى سمائهم .وبكثير من الجد والرصد والتحليل عرف أصل البلاء, عندما اكتشف المرايا العاكسة التي وضعها بلعون ,والتي دلته على سبب حصول بلعون على الأشعة من الكوكب الفاضل. في البداية حاول تشخيص المرض ,وعندما حدث الاندماج الطاهلعوني, صارت الأمور مكشوفة, فما عاد مهماً عنده من الذي تسبب في الخراب, بل كيف يجب أن يتم العلاج قبل فوات الأوان .
وازدادت مهمته صعوبة مع تفاقم الحالة.هل سينفع علاجه جميع المرضى الذين فقدوا حركتهم ؟ لقد بدأ بعض المرضى بفقدان قدرتهم على الحركة الفكرية, فقد شلت الأمراض الأخلاقية قدرة أدمغتهم على التفكير الصائب ناهيك عن شلل محركاتهم النورية.
رجع إدريس إلى الكتابات القديمة ليجد جواباً شافياً على تساؤله كيف استطاع أجدادنا تنقية قلوبهم وعقولهم إلى الدرجة التي مكنت محركاتهم الحيوية من العمل ؟ بل وأمكنهم توريثها لنا؟
وجد إدريس أن الأجداد اعتمدوا على مبدأ التنقية الذاتية, الذي يطهر القلوب آنياً, ولكنه لا يستمر للأبد بل بحاجة للعمل الدؤوب لاستمرار التطهير ووضعوا توصيات بذلك غير أن الحاجة لتطبيق تلك التوصيات قلت مع الزمن بسبب ازدياد النقاء في نفوس الأطهار.عرف الأجداد أن المناعة لا تعطى بلقاح أبدي يقي من الأمراض الأخلاقية, إنه صراع مستمر ومرير للبقاء على جادة الصواب, وقد تزل القدم أحياناً, ولكن هناك دائماً طريق للرجوع.
نعم لقد استطاع الأجداد توريث المحرك في الجينات. ولكنها مسؤولية كل فرد أن ينتج وقوده الحيوي بذاته وأن يزيد وقوده على مر الزمن.
نشر إدريس النتائج التي توصل إليها,وأذاع طريقة"التنقية الذاتية"بكل الطرق التي أمكنه الوصول إليها. ولم يعارضه أحد فقد كان الجميع يشعر بفداحة الخسائر التي تكبدها الكوكب المنكوب, وحتى الطاهلعون أدرك ضرورة تطبيق التنقية الذاتية عليه ليسترد جزءاً من حركته. تشكلت فرق من المطهرين ذاتياً لعلاج مرض العصر وسرعان ما استعادت عافيتها وحثت البقية على تجربة التنقية الذاتية. نبذت الأساليب الفاسدة وراء الظهور وشيئاً فشيئاً عاد الكوكب الفاضل ليشع من جديد.
حاول بعض الأطهار تحطيم الآليين المفسدين, بعد أن أدركوا الدور الذي لعبته تلك الآلات في زيادة مرضهم. ولكن إدريس منعهم فما أولئك سوى أدوات, والأطهار هم من قام باستخدامها.وعوضاً عن ذلك قام بإعادة برمجة الآليين ببرامج تتلو التوصيات بالتنقية الذاتية كل يوم لأن الإنسان قد ينسى مع الزمن وتتكرر مأساته,أما الآلة فستظل تذكره حتى تتلف.
قرب الطاهلعون إدريس منه ليساعده على استعادة عافيته, وليتغلب على بذور الشر في نفسه. وبعد جهد جهيد نجح الطاهلعون في الرجوع إلى مستواه السابق, وصار قلبه نقياً كالنور,وفكره متقداً كالنار. وعندها أدرك أن تحقيق نوايا بلعون السابق في استخدام قوة المحرك النوري لأغراض تدميرية وشريرة مستحيل. فلا يمكن إنتاج الوقود النوري مع وجود الشر في ذات الوقت.
اتصل الطاهلعون بتوأمه في كوكب الفساد. ونصحه برقة, قائلاً: إن استمرار أعماله الشريرة ,سيقضي على بقايا الحركة لديه.وما دامت الحركة موجودة عنده حتى الآن, فما زال هناك أمل . وشرح له آلية التنقية الذاتية, وذكر له دور إدريس في تقويمه وفي إنقاذ الكوكب الفاضل. وحثه على البحث عن إدريس في كوكب الفساد.
ترى هل سينجح الطاهلعون الثاني في إيجاد إدريس في كوكب الفساد؟وإذا فعل هل سينجح إدريس كوكب الفساد في إنقاذ كوكبه؟؟؟