عائشة الفتاة القروية الغريبة ،الصغيرة الحجم القصيرة القامة ،المنزوية هناك خلف الحائط المبلط بظل عائشة .عائشة التي بينها وبين حلمها الكثير من منافي الحلم ،منافي العمر الفارغ الا من ظلي عائشة ،عائشة التي أجبرتني أن أبوح بطعم رائحتها حين تمر عائشة صامتة من أمامي ،تجر خيبتها ،شيء قد ضاع منها في ظلمة الهم
في ظلمة طفولتها التافهة
وتكبر في عيني عائشة حين تمر ،عائشة التي لا تعرف الكسل ولاالملل ،محنطة أو محنطة نظرتها الباهتة ، العابرة للليل وفحوىالمسافات البعيدة
هي هكذا عائشة سر من أسرار الكون
سر يفوقني تعبيرا عن معنى عائشة
عائشة التي أجبرتني أن أبوح أوأقول ، أقول شيئا تافها عن عائشة ،او ربما شيئا تافها عن ظل عائشة
عائشة التي ضاعت في غفلة حلم ،او في طريق خيبتها الى الحلم
الحلم الذي يفقد صوابه حين نفترش النوم لنحلم
....
ولكن عائشة صامدة
صامدة بقوتها وبتحمل صبرها
صامدة لأنها تعشق المكان ،وتعشق الزمان ،وتعشق حتى هذا الليل الذي يسكن تجاويف عمرها ،لأنها فقط تعشقه
تعشقه لأنه رفيقها ولأنه أنيس وحدتها ،ولأنه ماتبقى لها من تركة الأيام ،ولأنه يتستر على بوح عائشة
حين تبكي عائشة او تحلم عائشة اوتنام وحيدة عائشة الا من معانقة ظلها ،وشبق المكان
المكان الذي تختلط أنفاسه بأنفاس عائشة ’ويتهاجسان في زاوية ما من المكان
هذا المساء رأيت عائشة
البارحة
كل يوم
في كل ساعة
عائشة هي عائشة تطعم صغار دجاجها
تفرك ملابس عائلتها
تخيط ثوب ابن اختها الصغير
وهي تبتسم
وهي تتكلم
وهي تعقب على سؤال ما
وهي تزمجر ..
عائشة هي عائشة
ربما قد لاتنتبه للزمن الذي يمر من حولها ،للزمن الذي يمتص دم قلب العالم
ولكن عائشة هي عائشة
ثوب ملابسها عادي أحيانا
رديء أحيانا أخرى
أو جميل في بعض الأحايين
عائشة لاتذهب الى سوق ،لاتذهب الى حفل مقام هنا او هناك ،عائشة لاتغادر زاويتها ،هي مقيمة هنا دائما ،لم تسافر قط الى حاضرة أو مدينة ،او رافقت أمها في زيارة ، لم أرها تنمنم في جمع نسائي ،شتمت هذا أو ذاك ،ولكنها تغفوا أحيانا تنام ان حان وقت النوم ،تأكل كما نأكل وربما ..وربما تعشق كما نعشق ، تندم على حلم لم يتحقق ،وتترجى في الذي سيأتي ،الذي يحمل البشرى قاب قوسين أوأدنى من باب الروح .....