هـي …من تكون؟سعيدة الرغيوي
كثيرة هي كلومنا،طافحة هي الحياة بصور الزيف، لكن قليلون من يجسرون كشف القناع عن وجه الحقيقة، وتحرير الكلمات من معقلها، وإن كنت قد أحجمت عن ذكر أشياء كثيرة،إلا أنني قلت ما فيه الكفاية…استغلال جسد الأنثى تحت عناوين براقة ولامعة،وهذا لا محالة شكل فاضح وعاكس لكل أشكال العبودية والعنصرية.
أبى هذا السؤال إلا أن يحضر في كل حين وآن وتعجز هي عن الإجابة،عن مقاربة صورة الحقيقة،بيد أنها تصرخ أخيرا ضد القمع،ضد كل أشكال التعسف،وضد الآخر،ضد صمت الصمت،كتاب بدون عنوان أرادت أن تكون.
نعم…كثيرات هن مثيلاتها في مجتمع لا يرحم،كانت هذه هي مقدمة الكتاب،وبعد تلك المقدمة تركت علامات استفهام، فكان علي لزاما ملؤها.
لا ضير إذن من البوح ببضع كلمات من هذا الكتاب،فلا ربما وقفتم وقتئذ وعن كثب عن حرقة الأنين ومرارة المُعاناة.
في مجتمع أضحت فيه المرأة بضاعة،- نعم بضاعة رخيصة- ، يتم تسويقها كما تُسوق العديد من البضائع والسلع.
وفي وسط أصبح هم أصحابه الربح السريع وبشتى الطرق حتى وإن كان ذلك على حساب إنسانية الإنسان، صارت الأنثى هي الوسيط، وهنا تفوح رائحة النتانة التي تُزْكِمُ الأنوف من هؤلاء.
كثيرون هم مرضى الأفئدة الذين وجدوا ضالتهم في المرأة ، بعدما عجزوا عن تحقيق أحلامهم ومآربهم المريضة، لتُصبح هذه الأخيرة منقذهم وطوق نجاتهم وهكذا صار جسدها جسدا شبقيا وذاتها ذاتا مغرية بتحويلها إلى مادة مشيأة.
أصبحت ” الأنثى” بالأساس موضوع جنس ولذة، كائنا فارغا يتم توظيفه لاختراق شبكة معقدة من البيع والشراء،م ن العرض والطلب.
حقيقة إنها صورة تعكس الخلاعة والبذاءة، وواقع مخجل أن تسمح الأنثى لهؤلاء بتجريدها من إنسانيتها ، فتغذو كبضاعة رخيصة معروضة في كل الزوايا، وهي تحسب بذلك أنها تخلد أنثوية الأنثى،محال ذلك ثم مُحال …!.
بعدما لم يجسروا تحقيق الربح بوسائلهم الخاصة ،عثروا على كبش الفداء،إنه جسد المرأة بامتياز،أنثويتها ليغدو هذا الأخير مفتاح نجاحهم وتألقهم المهني.
توظيف الجسد الأنثوي أو بالأحرى صورة المرأة، هو السبيل الأنجع في نظرهم للاغتناء والربح السريع، وهو نهاية اختصار للجهد.
فغدت نتيجة لذلك كاللوحة المرسومة الموضوعة في متحف، لتفننها وإبداعها أشكالا وأصنافا من البهرجة والمساحيق الزائفة.
ويعكس الواقع المعاش بجلاء هذه الصورة الفاضحة للمرأة “الأنثى”.
إن جسد الأنثى أضحى مطلوبا لدى كل الراغبين في الربح اللامشروع، وإن كان ذلك على حساب كائن حي، بيد أنه هنا لا يجب أن نلقي بالمسؤولية على عاتق هؤلاء فقط ، فالأنثى تُسْهم بقدر كبير في تبخيس قدرها والحط من قيمتها.
شرنقة إذن دخلتها الأنثى دونما أن تعي خطورتها ولعبة قذرة سوف تحط من قيمتها دونما تثريب، ولا مرية أن الكثيرين يرددون على مسمعها كلمات الإغواء،الإثارة،وما إلى ذلك…ويمتدحون جسدها المفعم بالأنثوية- نعم هم لا يمتدحونها- بل يرغبون في جسدها، وهذه هي قمة الانحلال والتفسخ الأخلاقي.
إذن لا تتعجب إن وجدت في مدينتك فتيات في عمر الزهور،يافعات وقد غطت المساحيق الكاذبة وجوههن الطفولية البريئة، وصيرهن الآخر المريض كالدمى وراء نوافذ المحلات التجارية، أو في نوادي الانترنيت ..وغيرها من الأماكن، فلا يقبل تشغيل إلا الفتيات- الدمى- وأعتذر إن كان هذا التشبيه مسخا للكائن البشري، إنما هو الواقع المريض بكل تمظهراته وتجلياته، وتناقضاته، والذي يرتسم ولا شك في زوايا كثيرة من مدننا.
في الماضي كان يتم إلباس الدمى وتُنمق و تزركش لترويج المنتوجات، والآن صارت المرأة هي البديل الأمثل، إنها لصورة ممسوخة للواقع عملت على قتل أنثوية الأنثى، وإن كان يتم الترويج لعكس ذلك،بدعوى التحرر والانفتاح على الآخر.
بتنا نحيا في عالم من الزيف، من اللامعقول، من المساحيق،مساحيق تُخْفي كل العيوب،عيوب مجتمع يحتاج لسواعد شابة لتحريره من خضاته وكبواته وهناته التي لا حصر لها، والتي للأسف الشديد تعاني الكثير بسبب الأفكار المغلوطة التي يكرسها بعض المرضى.
نعم عيوب مجتمع قُتلت فيه إنسانية الإنسان، واستشرى فيه الأود بفعل التهافت على الماديات، فانتفت بذلك الأخلاق والقيم، وحلت محلها الرذيلة والانحراف، ودائما تقف المرأة في مفترق الطرق،إما منهزمة ذليلة،وإما عاجزة عن رد الظلم الذي لحقها أو الذي لا زال يلحقها،أو خليق بنا القول أنها كانت سببا فيه بالدرجة الأولى، ورغم انتصاراتها القليلة،إلا أنها في كثير من الأحايين تجر أذيال الهزيمة والانكسار دونما وعي منها.
ألفنا الأسطوانة ذاتها- حقوق المرأة- ، فعن أي حقوق حديثنا،المرأة لا تحتاج إلى حقوق، فحقوقها قد كفلها ديننا الحنيف ،وشريعتنا السمحاء.
تبقى صورة الأنثى غميسة بالتناقضات،وتظل المرأة تتشوف إلى التحرر من ربقة صور الزيف تلك، ويبقى هذا التطلع في الأغلب الأعم مطلب كل غيور على المرأة ( الأم ،الزوجة،الأخت…)،وعلى كرامتها.
وبهذا الصدد لا تفوتني الإشارة ولو بإيجاز إلى أن أبرز مظاهر استغلال الأنثى يكمن في الإعلانات والملصقات التجارية التي تتغيا تسويق منتوجاتها، فتلجأ إلى اعتماد “صورة الأنثى” ،والتي تظل
في أغلبها صور سافرة بكل المقاييس، وقلما نجد إعلانا يحترم المرأة ويمجدها، تحولت إذن هذه الأخيرة من إنسان إلى كائن للإثارة، إثارة في الشارع، في العمل ،في كل زاوية…كل ذلك تحت اسم مضلل ومغرض، وذريعة مغلوطة”المساواة”.
فبئس إذن مساواة تقتل شفافية ذات المرأة، وتجعلها شفافية من نمط آخر، وذلك بالكشف عن مفاتنها، وأنثويتها، فتستبيحها في صور سافرة لكل وحش كاسر، وكل طامع في إشباع رغبات مكبوتة تنم عن دونية وانحطاط في التفكير.
ولعل ما يثيرني في الموضوع برمته هو أن يلجأ الكثيرون من أبناء هذا البلد إلى إقصاء المحجبات، وإبعادهن عن شغل المناصب بدعوى أنهن محجبات، وهنا نقف على تناقض صارخ كوننا بلدا إسلاميا، لكن بعض المرضى من أبنائه يعترضون على تشغيل المحجبات متذرعين بحجج واهية، وباقتناعات باطلة مستمدة من فكرهم المتحجر المريض.
ترى هل يرغب الآخر في جعلهن دمى هن أيضا،أيعشق الأخر لغة المساحيق والكشف عن الساق والوسط؟؟؟.
فحسرتي على بنات جلدتي،وحسرتي على زمن صرنا فيه نروج كما تروج السلع الرخيصة،إذن لماذا لا تصرخن؟ !.
أتقبلن بصور الزيف هاته؟.
فقبحا لمساواة تجعل الأنثى”المرأة” جسدا دونما روح، فتجردها من وظيفتها، لتنتقل بها إلى عوالم يستطيع فيها الآخر تشييئها كما يبتغي”.
وهنا تحضرني كلمات لـ:” حسن نجمي” يقول فيها:
كل دائرة هي دائرة أخـرى
وأنت ملقى في شرنقة الدوائر
كل عين هي عين أخرى
و أنت لم تفقأ عينا بعد
……
دائرة وضدها
حاذر
الحكاية كذا
أنت مكان..يضغطك مكان
…
لا تعرف شيئا ..أنت
لا أحد يعرف.
كيف تنسج الهندسة الأحزان
قد تعجز الكلمات عن ترجمة الواقع المأساوي، فيبدو للبعض عالما جميلا وحالما،إلا أن الحقيقة أننا صرنا نحيا في عالم اختلت فيه القيم، واختلط فيه الحابل بالنابل،وصار البقاء فيه لكل من يقبل بيع ضميره والخنوع للأخر.
تلكم هي الحقيقة التي يختزلها واقعنا المتناقض، وهووا قع يجبرنا على الصمت والخنوع.
فجبن صمتنا،صمتكم، صمتكن.