قراءة رواية «أقصى الأشياء» للكاتب الجزائري خليل حشلاف:
أزمة مفتعلة في «كون ورقي»
الخير شوار*
نفهم من هذه الرواية (والعهدة على راويها) أن الحياة مجرد قصة قصيرة على الشكل الموباساني- الإيدغاري فيها مقدمة منطقية وعقدة ولحظة انفراج، وفي أحسن حالاتها رواية متشابكة متعددة الفصول والشخوص وأن السارد يحدد مصير أبطاله سلفا رغم ما يدّعيه من «تنوير» وحياد فيعز من يشاء من الذين يسميهم تجاوزا في معظم الحالات «أبطال» ويذل من يشاء متخلصا منهم واحدا واحدا في الوقت المناسب، مع الاحتفاظ بمصير الشخصية الرئيسة أو الشخصيات الرئيسية إلى نهاية العمل السردي وإلا ما كانت الرواية رواية وتزعزع نظام الكائنات الورقية وطوي العمل كطي الورقة المهملة ورمي في أقرب بالوعة.
وعادة ما يكون الأبطال في حالة استسلام مطلق لمشيئة الراوي-السارد رغم ما يدّعيه البعض ممن تمرد وجودي ورفض لكل الأنظمة إلا ذلك النظام الروائي البطريركي «اللامفكر فيه» أو «المستحيل التفكير فيه» بالنسبة إليهم بالتعبير الأركوني الشهير.
لكن ماذا لو تمردت الكائنات الورقية على «خالقها»؟ هل سيختل نظام الكون الروائي؟ هذا ما يفترضه القاص خليل حشلاف في أولى رواياته تحت عنوان «أقصى الأشياء» بغلاف أسود قاتم وفيه مصابيح باهتة وشاحنة تبدو من النوع العتيق تحاول إنارة ذلك الطريق المعتم.
في تلك القتامة أطل ذلك الكائن الورقي في بداية هذا العمل الروائي إطلالته الأولى على المتلقي «على أمل أن يمسه شيء من الضوء»مثلما يقول السارد (أو نائبه)، ذلك الكائن الذي شيء له أن يتمرد على نظام القص ويخرج عن مشيئة «القاص» أو هكذا يحاول أن يقنعنا ذلك القاص المتخفي وراء الكلمات أن يفهمنا في مغالطة يبدأ بها روايته، لكي يشدنا إليه إلى النهاية وهو يملني علينا تلك «الحبكة» بعد أن مللنا تلك القصص المنمطة التي تدّعي الإضافة النوعية للمتن السردي دون أن تفعل ذلك وجل المتلقي من شدة ما تشابهت عليه البدايات يستنتج بالاستقراء المنطقي ما تحمله الصفحة الأخيرة حتى ولو أبدع «القاص» بعض المتاهات في وسط المتن يريد أن يذر بها الرماد في عيون المتلقي.
من هنا تسللت شخصية الرسام الذي سقط في واقع مبتذل جعله يتنازل كثيرا ويرسم بعض اللوحات الشعبية التي حققت له شيئا من الاعتراف «الشعبوي»، والأكثر من ذلك وجد نفسه أسير واقع دمي لا يرحم، هذه الشخصية التي بدت للمرة الأولى مشحونة وكثيفة كثافة نظرتها للفن الغامضة التي تقترب من السريالية، لكنها شيئا فشيئا «تشوعبت» وسقطت في الروتين اليومي حتى بدا السرد يقترب من اليومي المبتذل، لكن يعود فجأة للتكثيف من جديد، وكأن هذه الحيلة السردية لم تاتي على نفس واحد فبدا عليها نوع من «الحشو السردي».
وكأن هذه الشخصية الورقية المتمردة تنتبه إلى مأزقها وقد أصبحت شخصية من عوام الناس تاول أن تنتقم من مؤلفها الذي كان سببا في وجودها محملة إياه كل المصائب التي حلت بها من فشل فني واجتماعي عندما لم تتورع في شتمه علانية عندما قالت بصريح العبارة: «لم أقدسك أيها الكاتب الفاشل، ولكني اكتشفت أنك تشب عن الطوق، طفل كبير، تستعرض عضلاتك على أبطالك، لو يعرفك الناس على حقيقتك لن يحترموك».
وهذا تستمر تلك الشخصية في سمتها الوجودي إلى غاية نهاية هذه الرواية دون أن تعترف بشرعية المؤلف الأصلي، وهو ما يوحي بوجود أزمة شرعية كبيرة في العملية السردية، ولكن ما يدرينا أن ذلك الصراع ليس مفبركا؟، وذلك بوجود تواطؤ مسبق بين المؤلف القاص وأحد شخوصه الذي اختاره منذ البداية لينوب عنه ويدخلنا في عوالمه بدليل أن الرواية انتهت في الوقت المحدد لها وظهرت بنيتها السردية عادية في السياق العام .
إنها إحدى الحيل السردية التي لا يدعي المؤلف الأب (خليل حشلاف) بأنه مبتكرها الأول، لكنه نجح في إيهام القارئ لكثير من الوقت بأن ما قام به مجرد لعبة سردية ورقية أولا وأخيرا.
*كاتب من الجزائر