عبد الناصر الحيرش
يوم الولادة 20
أخيرا أمكنني أن أمشي وأنا مرتاح البال وأن أنام وأنا مرتاح السجية.
عجبت مما حدث اليوم وعجبت لنفسي لأني لم أنتبه له قبل اليوم.
انقضى عشرون خريفا وأنا أحرص على أحمي نفسي من غيري، واليوم فقط أدركت أنه علي أحمي نفسي من نفسي.
أنا الذي أتغنى بالجمال بالطهر بالمحبة أين كل ذاك ؟
إن لم ألمسه معلقا بجدران قلوبكم وأراه مرتسما على ملامح وجوهكم وأحس به في رنين كلماتكم فأين لي أن أجده ؟
الولادة معنى زاخر بالحياة خروج الشيء من اللاوجود إلى الوجود .
اللأمس كنت عدما واليوم أمكن وجودي حقيقة ، مبارك وعظيم هو اليوم الذي ولدت فيه ومباركة هي القوة التي أخرجتني من العدم إلى الوجود والتي ستخرجني من هذا الوجود الأصح والأحق إلى وجود أحق منه .
بشارة لأهل البيت وللأهل أجمع . لا أحد منا يستطيع تذكر لحظة ولادته ولكن ألم يسبق لأحدكم أن نظر إلى عيني صبي في يوم ولادته الأول ؟ حينها فقط سيحس أنه كان لا شيء .. بل كان كل شيء .
الصراخ ، اٌلإستكانة ، الهدوء ، النوم ثم الصراخ . نفس ما كنت عليه الباحة أجدني عليه اليوم : استكانة وهدوء ووداعة ثم غضب وصراخ وثورة ، لكني بالأمس كنت أصرخ لأني كنت محتاجا إلى شيء وحينما يلبى فعودة إلى الهدوء ، أما اليوم فإني أصرخ على شيء فقدته وهيهات أن يتحقق أو يلبى .
حدت عن الطريق فما هكذا كانت البداية ، فمنذ ولادتك إلى لحظتك هذه وحياتك كحلم ، بل هي حلم مشتت لا تستطيع لم خيوطه وتجميعها ، ضاع منك ما كنت إليه تصبو كهالة نور كنت فظننت أنك تنير حياة من هم حولك وما كنت تنير في الحقيقة سوى نفسك . ظننت أنك إن أعطيت كلك للحياة أعطتك بعضا منها لكنك لم تعطها في الحقيقة إلا بعضا منك فما أعطتك شيئا
بئيس أنت فإن كنت لا تزال مخدوعا فأفق فقد فاتك الشيء الكثير .
معنى الحياة ينبعث مع كل نبضة قلب .
دع عنك معنى الحياة فقد حير الفلاسفة وذهب بألباب الشعراء ، بالأمس كنت ضعيف الجسد واليوم قوي وغدا تصير أضعف مما كنت عليه ، قضيت حياتك وأنت تتطلع إلى أناس وحولك أشجار ، نباتات ، نجوم .. وأشباح ...
ضاعت نفسي بين جمع من الناس ورأيتها ولما ذهبت للبحث عنها لم أجدها .
الحياة صعبة ولينة وشديدة المعاندة و إن لم تألفها قضي عليك. تبعت ظلي حتى اختفى ولما عدت وجدته يلاحقني . فأدركت أن ما كان علي البارحة صار علي اليوم ،ن وعلمت حينها أن لا مستقبل لي سوى ماضي القادم .
مند الصغر وأنا أتساءل :من أنا ؟ ولا أعرف كيف أعرف نفسي .
فمنذ وعيت وأنا أذكر اثنين فقط ولا يغيب احدهما عن بالي: أذكر الله لأن لاشيء يملأ القلب سواه وأذكر الموت . وأحرص على أن أنسى اثنين : أنسى إحساني إلى الآخرين ، وأنسى إساءة
الآخرين إلي .
أضعت الكثير وأنا أجري وراء ما لا فائدة منه. بعد عشرين ربيعا / خريفا ألتفت حولي فأجدني لم أستطع تحقيق أي شيء. ينشأ ابن الإنسان ويكبر وهو ينظر إلى ما تراه عيناه أو تسمعه أذناه وإذا حدث أن أعمل فكره مرة تاه وغاب عن الوجود بكليته .
كثر القيل والقال .. يوم مميز مبجل وما كان علي أن أعرفه لم أدركه . وتستمر الحياة ولا تتوقف .
هذه ذكرى ..
تجربة الحياة ... الموت.
سر الحياة ... الموت .