الجهل واحد...
سافرت الى الديار الامريكية لاستكمال دراستها في علم الاحياء..فخورة بنفسها ..بذكائها الذي ساعدها على التكيف و عالم المدنيات الحرة الخلاقة لمناخات السيادة التي تدعم الاعتزاز بالانتماء و الاخلاص للهوية الوطنية و القومية ..فكلما وردت عليها افكار سوداء لحظات الحنين الى الاهل و الوطن الا و تراها قد سارعت الى الافراج عن ابتسامة تحررها بين شفتيها وهي تتحسس باناملها الرشيقة تميمتها التي منحتها اياها امها التي ورتثها عن سابق اصولها .....تبتسم خفية حينما تتذكر قول جدتها عن التميمة الوحيدة كونها تتدحرج ككرة الزنوج بين الفروع...
عادت بنفس التميمة رفقة صديقتها الهندية فالاولى اغتنت ثقافة و تدججت كفاءة ممهرة بشهادة علمية مميزة ساعدتها بالقطع على النجاح في شؤونها العامة .. بينما الثانية فقد تخلصت من ديانتها الوثنية و امنت بدين التوحيد منهجا في الحياةالخاصة
عادت الى الوطن كي تمنحه باسم عشق الارض التي حضنتها تربته سنبلة فبذورا مما حطبته طيلة سنواتها العشر بالغربة من خذمات اساسية قد تحقق له قفزة نوعية الى الامام رغم ان الظلام لم يفارق قط رمزية التميمة في التحصين و السلام ..
آمنت بالوطن جغرافية فقر رموز خريطته تعمم لونا قاتما موحدا بين كل الاقاليم و الجهات .. لذا فلا مناص من احتضانها كارض خصبة للقيام بالتجارب العلمية رصدا لكافة الاشكاليات التي تتحقق وفق شبكات التحاليل المخبرية للظواهر الحية ...
و شاءت الاقدار ان يتراس واياها فريق البحث العلمي زميل لها في نفس الخليةالتي هي وحدة عمل منتقات على اساس الكفاءة .. كان صادقا يكن لها من ايات التقدير ما يناسب قيمتها العلمية التي اثرت البلد و الولد باجتهادات متوجة بنظريات اتت اكلها على الصعيد الوطني و الاقليمي .. فضلها صار الوطن في مصاف الدول المنتجة رغم قلة الامكانيات... فطوبى لها بما نالت من استحقاقات تقديرية منحتها ضخا اعلاميا داخل الوطن و خارجه..
وذات مساء رجعت من عملها متعبة مجهدة.. ازدلفت الى غرفة امها العليلة لتتجاذب نفس الحديث الروتيني عن ظروف العمل و الامل بما يعوض العمر الذي يمر سريعا .. و كل لهفتها ان يحقق الله امنيتها كي ترى احفادها من ابنتها العانس يتقافزون امامها بكل نزق وحيوية ...حقا فالدور التي تخلو من الصغار قبور..
و بين تعرجات الحديث و تعرشاته تذكرت الام فقيه التميمة التي تطوق جيدها..اخذت تثني عليه و على افضاله عليها فلولاه لما عرفت طريقا الى النجاح خارج ارض الوطن فقيه عاصر الاسرة الرابعة من تاريخ العائلة ...كم كان صاحب مكرمات طيبات خارقات اثارها.. و على يد ابنه الفقيه الذي ورث عنه المسيد الطيني و الحصيرة الباهت لونها, شفيت عمتها من دائها الخبيث الذي فتك بزوجها ذاك السكير الكافر العاصي .. كما شفي اخوها الصغير من داء الصرع العضوي رغم عيادة اخصائيين في الطب النفسي.... فهذا مما يقوي القناعة ايمانا بحكمته الجليلة بين عموم الناس وليا من اولياء الله الصالحين...
فاتحت الام ابنتها في موضوع الرقية الشرعية لعلها تكون سببا في طرد عيون الشر التي تتربص بها منذ عودتها سواء من الاهل ..الجيران أو زملاء العمل الفاشلين الحاقدين على من كان مثلها اخلاصا في الحياة المهنية...
لم تمانع علما ان الباكالوريا التي نالتها بعد تثليث قد نجحتفي عامها الرابع بميزة حسن جدا اذ لم يتات لها هذا الفتح المبين الا بفضل الفقيه نفسه الذي اعد لها جدولا فاعلا طلسمه يومذاك و من ثمة كان حصاد النجاحات سنة تلو اخرى...
فآأمنت بعد ربها بسر الجان و تاثيره على حياة الناس عند الاخذ أخذا باسبابه لتحقيق المنافع و الاضرار حسب طبيعة الاختيار ... كم كانت تغدق و امها المال على هؤلاء النماذج من الفقهاء ..العرافات و كل من تفنن في حيل رجم الغيب هرطقة...
كم كانت امها توصي لها بتمائم للتحصين.. للنجاح.. للقبول..للسلب حسب تصورها الموروث عقيدة كاعتقاد ابنتها في اختصاصات شتى يحفل بها علم الاحياء كان اخر عمل سحري اوصت به طلسم الجذب ....
اتفقت مع ابنتها رغم مرضها و كبر سنها و استقرار الشاهد القراني عن تحريم السحر بكل انواعه في خلدها من استضافة زميلها و تقديم تلك الخلطة الحرية التي كلفتها غاليا في شربة حساء حارة .
في اليوم الموعود عند رجوعهما من مؤتمر علمي استدعيا اليه كضيفين شرفيين بمناسبة افتتاح اشغاله الدراسية,, دعته الى مادبة عشاء بمنزلها و تحت ناظر امها التي الحت على التعرف عليه كقيمة مضافة للعائلة على مستوى توسيع قاعدة العلاقات و توالجها... وافق الزميل مكرها فهو رب اسرة من ثلاثة اطفال لم يتسن له رؤيتهم طيلة ايام المؤتمر...انهم لا يزالون عند جدهم بالقرية و امهم التي لم تهاتفه بعد علما منها انه سيزورهم لاخذهم الى المنزل اذ لا زالت تنتظر عودته بلهفة شديدة كما وقع الاتفاق ...
اعدت المائدة بكل صنوف الاكل الباذخ لونا و طعما ...اكل هنيئا ..شرب مريئا ..ثم غادر الجميع سعيدا آملا منهم اعادة الفرصة في الضيافة بمنزله الشخصي..
فرحت الام بحدس ما اختمر لديها من تجارب اسعفتها من ادراك حقيقة فرحة الزميل التي بدت غير عادية:
-- ربما ادى العمل السحري مفعوله سريعا ...
اما ابنتها فقد كانت هي الاخرى تنتظرمكالمة منه طيلة الليل...
في الصباح انعي لافراد خلية البحث العلمي خبر وفاة زميلهم رئيس شعبة علم الجراثيم
حوقلت الام عند سماع الخبر لكن ابنتها امنت ان لكل اجل كتاب ...
و تستمر الحياة....لكن ما الحصيلة التي على ارقامها تتمأسس صيرورتها؟.. فالناس اعداء ما جهلوا..ما جهلوا.. ما جهلوا....
محمد القصبي
22/10/2015
القصر الكبير
المغرب الاقصى