محمد داني شاعر وناقد
عدد الرسائل : 72 تاريخ التسجيل : 07/06/2010
| | في رفقة الشاعر محمد اللغافي | |
لقد اهتم النقد المعاصر بالحداثة الشعرية، لما تميزت به من تفرد، وتحديث وفنية...وردها إلى عملية التثاقف والعوامل الاجتماعية، والنفسية والذوقية، والجمالية الصرفة.
وقد كان لعملية التثاقف مع الغرب الأوربي الدور الكبير في نشأة الحداثة وظهورها...وقد كان لإليوت الدور الكبير في هذا الباب...
يقول سعد رزوق:"إن المثال الإليوتي كان منهجا احتذى حذوه الكثيرون من شعرائنا، وتأثروا به وساروا في خطواته"[1]...وهناك من يرد الأمر إلى:"أن كل مذهب سياسي وفلسفي وأدبي يظهر في أوربا ينعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الواقع(الواقع العربي المعاصر)، حتى نرى تأثيره في الكتابة شعرا ونثرا، وفي طرق التفكير والسلوك"[2]..
والحداثة لا تتأتى من بنية المجتمع العربي المعاصر،بقدر ما تتأتى من التأثر الثقافي النخبوي بالغرب الأوربي، سواء أكان ذلك على صعيد التجديد الإيقاعي، أم التصوير الفني، أم التعامل الأسطوري، أم الموضوعات الشعرية[3]...
ويرى آخرون أن التفسير الاجتماعي مرتبط بظاهرة الحداثة الشعرية، من خلال الأطروحات الإيديولوجية لطبقة البورجوازية العربية الصغيرة التي يتضمنها:"بحيث تبدو الحداثة انعكاسا لمجمل التغيرات الاقتصادية التي أصابت بنية المجتمع العربي المعاصر مع بروز تلك الطبقة"[4]... وبالتالي اتصفت الحداثة بصفات هذه البورجوازية العربية الصغيرة، وانطبعت بطابعها وخصائصها الإيديولوجية والنفسية.. واشتملت على ما هو ثوري او عدمي.. ومن ثمة ارتبطت بها مجموعة من المظاهر : الحزن- القلق- الضياع- العدمية- الاغتراب- الثورية- التوتر الانفعالي...
إن الشاعر الحداثي يعتبر بورجوازيا صغيرا.. وهذا ما دفع بالأستاذ وفيق خنسة إلى القول في شعراء الحداثة:"إنهم يتمحورون حول مشجب البورجوازية الصغيرة، ثم يتوزعون على درجاتها ومستوياتها، وألوانها.. كما توزعوا عمليا على أحزابها وفئاتها وتنظيماتها"[5]...أما بالنسبة للتفسير النفسي/ الذوقي، فإنه يربط بين الحداثة الشعرية والتغيرات التي أصابت كلا من الطبيعة النفسية والذوقية العربية، تحت تأثير التغيرات ، والجديد الذي جاء به القرن العشرون.. وهذا ما دفع بالدكتور محمد النويهي إلى اعتبار الشكل الهندسي المبني على نظام الانشطار والتناظر، والذي وسم القصيدة العمودية العربية، لم يعد يتلاءم مع الذوق العام المعاصر.. ولا مع نفسيته..:"إن نوع الإيقاع الذي تعرفه القصيدة العربية التقليدية لم يعد صالحا لحاجاتنا الفنية والنفسية، والذوقية..وإن درجة الانتظام التي يتطلبها شكل القصيدة التقليدية زائدة الإسراف في السيمترية والرتوب"[6]...وهذا ما جعل النفس والذوق العربيين ينفران مما يتنافى معهما على صعيد الشكل الشعري الموروث، أي أن القصيدة العمودية التقليدية لم تعد قادرة على النهوض بحاجات المجتمع الشعرية المعاصرة..وأصبح الشعر الحداثي هو الممثل والمعبر عن الفن والذوق المعاصرين. - يتبع-
[1] - رزوق، (أسعد)،الأسطورة في الشعر المعاصر، منشورات مجلة الآفاق، بيروت، 1959، ص: 107
[2] - د. جيدة، (عبد الحميد)،الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، مؤسسة نوفل، بيروت،1990، ص:15
[3] - د. كليب، (سعد الدين)، وعي الحداثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، (د- ط)، 1997، ص:8
[4] - المرجع نفسه، ص:11
[5] - خنسة،(وفيق)، دراسات في الشعر العربي السوري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1981،ص: 15
[6] - د. قضية الشعر الجديد، دار الفكر، ط2، 1971، ص:98 | |
|
الجمعة سبتمبر 10, 2010 2:07 am من طرف محمد داني