قراءة في الديوان الزجلي بياض لعريس
ييان اليوم ثقافة 18 . 2005.1
قراءة في الديوان الزجلي "بياض لعريس"
تكثيف الصور الرمزية
صدر عن دار وليلي للطباعة ونشر بمراكش ديوان زجلي من الحجم الصغير بعنوان بياض لعريس من نظم الأستاذ علي مرزوق ...ولا يخفي على أحد ما لهذا اللون الأدبي الشعبي من أصول وتقاليد وأنماط
ويضم هذا الديوان ما يقرب من واحد وثلاثين قصيدة توزعت حول جملة من الموضوعات والقضايا والمواقف .عبر عنها هذا الزجال بعمق وتلقائية ووضوح وصراحة .. من ذلك حبه لوطنه وتفانيه في خدمته مع بيان ما يتسم به هذا الوطن من مؤهلات بشرية ومادية قادرة على أن تحقق له المزيد من التقدم والازدهار .. علاوة على ماتزخر به القارة الإفريقية من إمكانات قد تجعل منها قارة قوية لامكانا للنفايات وغيرها ، وهو لاينسى أن يعرج على مجموعة من القضايا الاجتماعية التي أصبحت تؤرق المجتمع ، كالدعوة إلى إصلاحه انطلاقا من العناية بالمرأة ، والالتزام بالسلوكات الطيبة بغية بناء شخصية مغربية قوية وقادرة على تجاوز التحديات ، إضافة إلى موضوع الساعة ، ويتعلق الأمر بوضعية العالم العربي وهي وضعية ممزقة ومزرية ، وفي طليعة ذلك ، حديثه عن فلسطين والقدس والعراق وما شابه ذلك .
وهكذا فالقارئ لهذا الديوان الزجلي يمكنه أن يتبين كيف استطاع هذا الزجال أن يبحث ويحقق ويسير في العديد من الأفاق الثقافية والاجتماعية والسياسية والحضارية ، محاولا ملامسة مختلف الفضاءات والمحافل ،غايته أن يضع القارئ أينما كان على مائدة ديوانه ًبياض لعريس ًالذي يعكس وجه الوطن بمختلف عناصره ومكوناته ،متوخيا تسجيل ملاحظاته وانطباعاته ، مصورا بين الفينة والأخرى الحلة الاجتماعية والاقتصادية التي يوجد عليها الوطن العربي عموما ، والمغرب على وجه الخصوص .
وحين نبحر مع زجالنا السيد علي مرزوق في تتبع زجليا ته ، فغالبا ما نجد أن عملية الترميز التي يعمد إليها ، تكاد تحد من من تأثير مقطوعاته ، لأنها تصبح أكتر بحياة صاحبها ، ولا تتسع في مداها لتصل إلى حياة الناس . ومهما يكن ، فإن الرمزية لديه أكثر شفافية ووضوحا مما يؤكد أن زجالنا يملك من الموهبة والاستعداد مايؤهله ليكون زجالا متميزا فالقصيدة الزجلية عنده لوحة فنية وحياة متحركة نابضة ينغمس في الحياة ،فتخاله لايكتب زجلا ،و انما يمارس هده الحياة الحقيقية في زجلياته .فهناك بساطة في الفكرة ،وبساطة في الأداء،لذلك جاءت مختلف زجلياته من مادة الحياة الشعبية .فهذا الديوان بصفحاته وزخم موضوعاته ,لا يخلو من قصد العبرة او رغبة في التوجيه ، ومعنى ذلك ان السيدعلي مرزوق وهو ينظم قصيدته الزجلية ،فهو يكتبها وفي ذهنه هدف ،من موعظة أو نقذ إجتماعي أو أخلاقي ،أو هدف تربوي أو تعليمي...وأوضح نموذج على قصيدته الزجلية بعنوان "الرماية"يقول:
ارم يا رامي فك قيود وسلاسل من إيدي ارم وعلم جيالي يرموا الاستعمار والهمجي
تكن السباحة والرماية لولادي منهاج وتربي نشوف الحداثة والعولمة وقياسي مع التكنولوجي
ونفرز راسي بالثقافة ومحاربة الجهل والامي باش تعلي رايتي وترفرف بالازذهار والتنمي
وترسى سفينتنا الحاملة حمام السلام والحري وتهذأالرياح الهايجة على هويتنا القومي
وتصفى السما من غمام الظلم عليك وعلي ارم يا الرامي وسدد الرمية بالبندقية
تشفي غليلي وتهنى الخاطر يزول المرض اللي فيك وفي وتعود البسمة وحياتي الجميلة اللي غابت علي
فهده الزجليات تشير إلى شخصية مميزة،وصوت يبشربمستقبل شعري جيد في مجال القصيدة الزجلية،إذ يبدو واضحا ان صوت السيدعلي مرزوق أكثر نضجا خاصة وانه يتميزـ علاوة على ما سبق ذكره ـ بالالتزام بهموم الوطن ومعاناة المواطن وهو الإطار العام الذي تنضوي تحت لوائه معظم زجليات ديوانه "بياض لعريس"...فهوينطلق من عدة وقفات تأملية إزاء الماضي لاستخلاص العبر واستلهام إرادة النهوض خاصة عندما يكون ذلك الماضي حافلا بعوامل التقدم والتفوق.
يقول:
اللي عرف الحق ما يحتاج اللي فهموويفيدو منذ زمان جبان واليوم حامل سلاح في إدوا
يهدد فينا كبير صغير ترى نتوحدوا ونزيدوا نزعوا الخوف من قلوبنا ونرد على لعدوبحديدو
كيف يحمل هم امتو اللي همو في بطنو ووليدو
علاوة على ما سبق تناول الديوان أيضا مجموعة اخرى من القصائد تضمن الحذيث عن ابرز معالم التطور الاجتماعي ومبادئ الحرية والعدالة الخلقية على اسس الإخاء ولتساوي بين الناس وبالتالي فالقارئ لهذا الديوان الزجلي يلمس بقوة ،حديث الشاعر عن تنظيم العلاقات بين الله والانسان ،والإنسان والمجتمع،يقول في هذا الشأن:
والله ما نخمم ما نضرب للدنيا حساب والناس تتناتش علي جيفتها نتيش لكلاب
لا يغرك ازواق اللي فيهاأاصلوكلوتراب حتى حد ما يدوم فيها والموت عندو سباب
راك مسافر دير التقوى زاد تكون ليك يوم الحسرة حجاب يا العاصي ربو ومضيع معرفتو وتابعينك شلى ذياب
يوم القيامة يا خوتي كل او في إدو كتاب هداك النهار يا خوتي نسمعوا ما نردوا جواب
لا بو فييايحن لا ام لاخو لاجيران لاقراب راجع سوارك قبل ما تقطع الصلة بين لحباب
شحال من قصور تبناو فيها وشحال من وجه غاب ...
ومن ثم نجد ان قصائد هذا الديوان الزجلي تشكل في مجموعها جزءا من ملامح وسمات المرحلة التي نعيشها ،حاول الشاعر ان يخترقها ليقدم لنا نماذج حية تجسد واقعنا المعيش،المتقل بأفراحه واحزانه ومعاناته وطموحاته وتطلعاته.
فالشعرـ كان مدرسيا أوشعبياـ هم ذاتي قبل كل شئ،ما دام يصدر عند ذات الفرد ، معبراعن معاناة ...فالشاعر الذي لا يستطيع التعبير عن معاناته وذاته يصدق،ليس باستطاعته التعبير عن ذات الجماعة،لأن الفن قبل أي شئ صدق مع الذات ،لهذا،فمعظم زجليات هذا الديوان متاترة بايجابيات وسلبيات الواقع المعشي ذلك ان غير قليل من النصوص لا تصدر الا عن هم ذاتي محض بيد ان هذا الهم الذاتي ليس مصنوعا بل هو هم حقيقي من خلال وضع معين او موقف اراد الشاعر ان يعبر عنه وهنا يمكن الاستشهاد بعناوين القصائد التالية: ريح لهيه سينما زمان واش من زمان، ا لسفينة ، الهدرة في الميزان،ا لمحضري ... وهكذا يستمر الشاعر فيٍٍ رسم مختلف المواقف التي تواجه المجتمع … وهنا يكمن صدق معاناته… فقد انساب صوته ليقدم لنا همه الفردي في إطار الهم المجتمعي.{ضياع القيم ، ضياع القدس...}،يقول في قصيدة ًَالمندبة ً: الحال كاسي وراسي إطنطن فيه سخانا واخاي لعمر قصار او ليام زربانا يجري ويجاري والدنيا منو هربانا في زمان دم العربي رخاص ما سوى دبانا والحر مضيوم يكون في عونو لا خاطرلاكانا... والملاحظ أن الشاعر في هذا المقطع،أعطى لموضوعه دلالة ،كما منح الصورة الشعرية عمقا ،فجاءت تحمل شحنة تعبيرية متدفقة. ومهما يكن من أمر،فإن القراءة الأولى لزجليات هذا الديوان. تؤكد توجه الشاعر الجاد،بحيث نجده يحرص على معالجة مشاكل وقضايا إنسانية عامة، فهو يتناول هذه المشاكل التي يواجهها المواطن المغربي والإنسان العربي اليوم في معاركه المصيرية. . ومثل هذا الشعر اللصيق بالإنسان و المواكب لغير قليل من جوانب حياته،هو الذي سيجذب القار ئ إليه ، وسيعيش لأنه يعبر عنه،لعل ما أقدم عليه السيدعلي مرزوق في ديوانه الزجلي، تعبير أصيل عن هذا التطور في حياتنا الذي أصبح يفرضه واقع التجدد المستمر في الحياة الإنسانية التي لا تعرف الجمود.
وتأسيسا علي ما سبق، فهذا الديوان الزجلي بمضامينه وأشكاله وأساليبه ورؤاه الفنية والجمالية يعد رافدا مهما من روافد التجربة الشعرية في نطاق القصيدة الزجلية . فقد حاول زجالنا أن يجعل منه مكونا متميزا عن غيره ، يمكن أن يفتح أمامه طريق الديمومة والعطاء ومن هذا المنطق فديوان ًبياض لعريس ً صورة رمزية مكثفة ، مما يدل على أن الشاعر كان يعاني وبقي يعاني دون أن يصل إلى حل أو يهتدي إلى سبيل .. فالواقع يحاصره من كل الجهات ، ولعله وجد في الحلم إنعتاقه وخلاصه حيث سكب فيه كل عواطفه من خلال موسيقى ونغمية شعرية ممتزجة بهمس شعري حينا ، وتقريرية قريبة من الخطابة حينا أخرا .
يقول:
إلى تكلمتي قس كلامك او وزنو يكون هدرة في الميزان
كن مبدع كن فنان أولى يشمها كل إنسان
كن شهوة وذوق حلاوتو في كل لسان
كن حمامة تحمل السلم والحب والأمان
كن سعادة وازدهار وتنمية ونعانقوك بالأحظان
كن صورة كن حركة كن لون يجمع كل الألوان ...
يبدو إذن أن حلم زجالنا يكمن في التطلع إلى مجتمع تدوب فيه كل الخلافات والصراعات ، مجتمع يصنعه المبدع والفنان ليعمه التعاون والتسامح والحب والسلم والأمان والسعادة والازدهار والتنمية . وحين يعلن عن تقديم مثل هذه الصورة الحلمة الجميلة ، فمعني ذلك أنه شاعر عاشق للجمال في معناه الأشمل والأكمل ، علي لرغم من مختلف المعاناة. وعشق الجمال هوالذي أتاح له أن زجلياته في مثل هذه اللوحات من الفن المبدع ، كما منحه القدرة على التأثير في النفوس بشعاع المحبة والخير والتصافي ، وما أروعه من انسجام وتألق .
•منير البصكري