الرحيل ف شون الخاطر
رحيل النفس الى نفسها
نص القراءة الذي هيأها الزجال علي مفتاح في ديوان "الرحيل في شون الخاطر" للزجال احميدة بلبالي
في أمسية سيدي مومن احتفاء "بعرصة لكلام"
..................
راحل بين مسالك العقل يبحث عن صورة لهذا العقل الراحل تتجاذبه الكلمات و ما تخلفه من وقع جارح على النفس |الخاطر "رعد ينطق " "من كلام جارح" فالرحيل ف شون الخاطر هو رحيل الى نفس مجروحة ،نفس راكمت الصور الجارحة ،فالجرح في الرحيل مرتبط اساسا بالكلام الذي يلتقطه الراحل، و لعل صورة و وقع هذا الكلام على شون الخاطر أي النفس الباطنية ،هو ما يلخص الرحيل كرد فعل انفعالي للتقييم النفسي لكل الصور الملتقطة عبر هذا الرحيل .
عبر حاسة النظر يبتدئ السفر ،رحيل قسري للذات المبصرة لأناها نحو المدى الممتد ما بين التقسيم الوصفي للنفس في شتى تمظهراتها و ما بين الاخر الفاعل ايجابا و سلبا في تلك النفس الراحلة. يبتدئ الرحيل الذي يفيد بالضرورة تغيير الأمكنة و الوجوه بهدف تغيير ملامح النفس و كل طقوسها الانفعالية، انه رحيل من نوع آخر ،رحيل انطوائي بامتياز من النفس في لحظة سكونها الى النفس في حركيتها و تموجاتها المنفعلة ،رحيل من النفس الى النفس ،من الخاطر الى شون الخاطر . نزوح و ميل تفاعلي للأنا نحو أناها المبصرة و الواعية بحركية الرحيل .
بغيت نملك خاتم حكمه
ف بحور سكاتي نغطس
نكوكط على آش تمه
إنه إبحار في صمت السؤال ،و بحث فاعل في حكمته ،صمت السؤال الذي يدوي صداه في شون الخاطر
رحيل الى النفس التي تحتضن صمتها المتسائل ،يخاطب فيها جانبها الانفعالي الذي راكم عبر رحيله ،أسئلة حول الأنا في علاقته بالآخر |الكون |الانسان كجسد بتركيبة مادية و فكرية و نفسية .
ان الرحيل في شون الخاطر هو رحيل النفس الى نفسها ،مسائلة لبواطن هذه النفس و ما راكمته من أسئلة تأملية،لذا فالكتابة في "الرحيل ف شون الخاطر" هي كتابة تأملية لكن بأطروحة صادمة و قلقة و مقلقة ،قلقة لرواسبها النفسية المنفعلة من جراء الصور الملتقطة عبر كل محطات هذا الرحيل ،و مقلقة في علاقتها بالمتلقي لما يتضمنه هذا الرحيل من اسئلة تئتولي على مساحته الفكرية و النفسية .الكتابة في "الرحيل ف شون الخاطر" كتابة استقرائية للصورة المتفتحة على التوليد الدلالي و التداولي .إنه سفر لاإرادي للآخر المتلقي للنبش في سؤال الكتابة و الكتابة المتسائلة ،فقراءة واحدة لديوان "الرحيل ف شون الخاطر" لا تكفي لتلمس تلك الابعاد النفسية و الفكرية التي تطرحها في علاقتها بالانسان ،باعتباره مادة خصبة نحو التأمل و الاستقراء لكل انفعالاته و تفاعلاته كجسد بتركيبة عقلية و نفسية .الكتابة في"الرحيل ف شون الخاطر" كتابة إحساس تأملي للسؤال،سؤال الأنا الشاعرة ،سؤال الآخر الذي قد يكون فاعلا أو منفعلا في المشهد المتخيل فيه ،إنها كتابة حول ما وراء هذا السؤال .الكتابة هنا تسائلية حول الإنسان في علاقته بإنسانيته ،في علاقته الجدلية بالآخر ككون و سلطة و دين و جنس .إن الكتابة في "الرحيل ف شون الخاطر" كتابة صادمة بصورها الملتقطة عبر الرحيل و مصدومة و حائرة في تقييمها الانفعالي لتلك الصور "دار عقلي و احتارـ غلبني عقلي ـ ب لعقل اختار ـ الراس كبة من لهوال هايم ـ النفس بغات تعفس بغات تزيت لمصدي " قلت آراسي آش تكون موسوس مشطون "
الكتابة في الرحيل ف شون الخاطر هي كتابة وبحت عن هوية داخل هده الكتابة، يقول الشاعر في قصيدة "التعراش" :
حلفت ما نكون خيال حد
ما يكون حد لباسي
نخسر كل شي
ونربح راسي
لقد راهن الشاعر في رحيله النفسي والفكري على رصيده الفكري و المعرفي، راهن على اللغة العالمة لغة المحكي اليومي التي تفتح آفاقا واسعة و رحبة نحو قلق السؤال . القراءة المتأنية للديوان تدفعنا للاعتراف بقيمة هذه الكتابة المكانة التي تبوأتها داخل النسيج الشعري و الزجلي بالمغرب ، فعندما أقسم سي احميدة بلبالي على ألا تكون لكتابته خيالا أو صورة منسوخة للكتابات الأخرى "حلفت ما نكون خيال حد" فقد كان بذلك يؤسس لنفسه مسارا متفردا في الكتابة الزجلية ، مسار يعي و يدرك قيمة الكلمة الدارجة و قدرتها على معانقة المتخيل بكل استيهاماته ، و التفرد هنا يأتي من منطلق القيمة الابداعية المضافة للكتابة الزجلية ، فالكتابة في "الرحيل ف شون الخاطر" هي كتابة واعية بمرجعياتها المتعددة و المتباينة، هناك أولا المرجعية العلمية بحكم تكوينه العلمي (مادة الرياضيات )، ثم بمرجعية نقدية ، فرغم أنه لا يعترف بانتمائه لعالم الكتابة النقدية، إلا أننا قد لمسنا من خلال كتاباته و ردوده هنا و هناك نزعته النقدية و التشريحية لجسد القصيدة الزجلية .و يمكن أن نضيف الى ذلك محيطه الثقافي و الابداعي و المتمثل في المدينة الحالمة شعرا ،مدينة تيفلت ،عاصمة الزجل المغربي الحديث بأسمائها الوازنة ،و جسدها الذي يصدح شعرا و قلقا حول الكتابة الإبداعية .
أخي و صديقي سي احميدة بلبالي
كانت هذه مجرد قراءة مختصرة جدا لرحيلك في شون خاطرنا ،إني أهيئ قراءة تداولية "للرحيل ف شون الخاطر" بموازاة مع قراءة جسد " تبقال الزجل المغربي" سي ادريس أمغار مسناوي ،أتمنى أن ترى النور قريبا ،و اسمح لي في الختام أن أقول لك كلمة :
رفاﭭتك يا احميدة
علماتني السهير
دعيتك للحرف
و الحرف ياَّخذ فيك
حقه من المعنى .
مودتي للجميع علي مفتاح