ادريس ايها القديس
و مشيت خلف الظلال ،أبحث لنفسي عن لحظة لنوستالجيا الكلمة .أمد يدي للزمن الآتي عله يحضن لحظات الجنون التي تداهمني في صحوتي و غفواتي التي تتكرر بتكرار السفر .اني اعشق السفر في دروبك سيدتي ،أعشق الرحيل إلي فيك ،مدي أشرعة المكان و دعيني أنصهر في أزقتك المشرعة للريح و للشعر .زرهون جئتك ،و قد أفرغت ما تبقى من أرصدة التلوث المديني من صدري ،جئتك و قد أفرغت كل شطحات الموت الماجن الذي قد يعربد بين خطوة و خطوة في ممشاي .
زرهون ايتها العفيفة مدي أعناقك للجبل أصر أن يخيط رأسه و شموخه بجبلك المطرز بدفء الضريح .هنا يرقد ادريس،يزيح رداءه الأخضر ،و يطل عليك ادريس القديس .أزح عنك تراب السنين التي توارثناها ترانيم و ابتهالات الفتوحات .مزق ألوية الخنوع ،و أرسلنا نذهب إليك في ثوب لونه من فصيلة بياض بشرة ادريس القديس .عريس فوق العادة .قم أيها الضريح الطريح ،و انثر على سطح المرقد ابتسامة الفتح الذي جاء بحد الكلمة لا السيف .هذا ادريس جاء اليك فاتحا ،يوقظ بداخلك ركوب الخيل و الكلمة ،و اليك ان تعرج على وليلي ،و امر فأنت الآمر بأمره ،أعد تراكيب تماثيلها، نصبني حارسا على جدار قصر ادريس القديس ،سأدفع قلمي كي يحفر و يحفر ،سيعيد الحفر في أقبية الصمت ،يكسر رتابتها ،و الحفريات المشاكسة على سطح "ال جسد " لها ان تكشف عن صدرها لرياح الفهم :
ا ـ ألف : ألِفَ يألفُ ألفة
ل ـ لام : لامَ يلوم لوما
ج ـ جيم : جواب
س ـ سين : سؤال و الحرفان معا أي الجيم و السين يفيدان التواصل و الحوار
د ـ دال : دلالة و معنى
أتيتك ادريس القديس أحمل حقائب منفاي .سأمزق انتماءاتي جميعها ،سأحرق هويتي المدينية ،احفر لي في ذاكرة الصمت الشعري مرقدا ،أسكن الى حرفي ،عل الأوراق تعيد صياغة كل متخيلاتي ،أريد قبرا من الورق المقوى،أختلس النظر من فوق الى التيه الذي يسكن أودية الحبر ،قبري يطل على الموت و عينه تحيا ،تعانق صورتك و أنت تسير الى القصيدة ،تمد يدك لشجر الزيتون يعيد صياغته ،حسب ما تشتهيه الكتابة ،تصنع ورقا بلون قلبك الأبيض ،و الحبر يأتيك منسابا يتدفق كما الطيب من فمك . وجدت صوتي في ثنايا حروفك مزلزلا يكسر رتابة الكلمات التي سحبت لنفسها كفنا في ذاكرتي .
قلت لما لا أنصب نفسي سلطانا على نفسي ،أضع لغتك تاجا على رأسي ،و أمر إلى مملكة الحلم كما تشتهيه حروفي،كن ضوءا ،كن نورا ،كن شمسا ،كن قديسا على معابد القصيدة .أنقش على "ال جسد" مقامك أيها الطائر الأسطوري ،أوقع على انتماءي الأبدي للحالمين و القادمين عراة حفاة ،يلفهم الليل ،يعبرون به إلى مرفأ الكلمة .
أيها القديس ادريس ،
لما أنت هكذا حزين ؟ يكبر الحزن و يكبر بداخلك ،لكن تبقى أنت الكبير ،أكبر من الحزن ،و أكبر من كل دموعك .دعك مني و من حزنك ،و خبرني كيف هو الضوء المنبعث من وراء ضلوعك ؟ أهو عادي ؟ إنساني ؟كوني ؟ ...كلما أمد يدي لمصافحة يدك اليمنى التي أغرقتنا جميعا في بحر المساءلة ،ألتفت الى نفسي و لا أجد غير أسئلتي التي انتصبت بداخلي .أنزوي بنفسي و خيالي ذلك الملحاح ،يحاول مرغما معانقة جميع استفهاماتك الوجودية .ما حدود الكون في رسمك للإنسان ؟ما حدود الإنسان في رسمه للكون ؟ هل اللذة نسبية ،كونية ،خالدة ؟ هل الموت انتقال طوعي لمعانقة اللذة الخالدة؟ أم أن الموت رجوع للجنينية ؟ كيف هي خارطة الحياة في علاقتها بالكتابة ؟ هل نحيا كي نكتب ؟أم نكتب كي نحيا ؟ و ال جسد ،آه ...آه ...آه مجسد بحبر اللذة يسير مشدوها بعبق التلذذ الى باب الرحم ،ينزوي بنفسه في أقصى الظلمة ،يعيد لحظة التشكل الأولى،يحمل رسوماته الدنيوية و يرحل نحو الإنطواء الخالد ،لحظة التوحد بنوستالجيا الحياة .
لك أن ترقص و تغني أيها القديس ،ف" ال جسد" لم يكن يوما مقصلة للنوتة ،خذ نفسا عميقا و اعزف كيفما تشتهيه اللحظات .خذ نفسا و راقص أفكارك ، و تأمل كم هي جميلة حروف البوح بداخلك ،داعب جسدها الفيروزي ،انفخ في فمها روحا و نشوة ،ستصفق لإنشادك الجبال ،مد يدك نحو وادي الخيال ،و اقطف من جنباته قصيدة بطعم وجهك أيها القديس .
أيها القديس ادريس ،
سر كيفما شئت أن تمشي ،فنعل الخلود يأتيك من وقع الخطوة ، افتح كتاب التاريخ،و اقرأ بطولاتك الفاتحة التي غزت أوراقنا البيضاء ،و الرمح قلم لا يعشق سوى صدر الفكرة .اكتب و ناور ،و ارسم خارطة لاقتحام أحلامك،لا تمهل الزمن لحظة استرخاء ،و المكان أكيد تحت عنايتك المركزة ،اسكب في فمه حروفا أو جرعة مداد .آه يا ادريس ...لو تسعفني لغتي ،هذه المراوغة بداخلي ،هذه الهاربة مني في زيها المتملص ،قد أستعيرك يا ادريس و أكتب بك و إليك ،فأنت لغة كونية تخطت المتاريس ،نسفت حدود الوهم بين كل الأبجديات ،إنك لغتي يا ادريس ،أرجوك أمهلني لحظة الارتقاء اليك ،سأصعد سلالم الحلم الذي ينتشي بك و بحضرتك ،قف حيث أنت ،مسافة الخطوة لديك تخترق الأمكنة ،و أنا هنا قاعد ،أعبر قفزاتك،من مكان الى مكان، و من زمان الى زمان،وقع خطواتك تعمر دهرا ،تنحت أساطير و شخوص بملامح الميلودراما ،تنبعث صورا من بريق عينيك ...كيف لا و أنت الإنسان الكوني الذي يختزن صورا للمتأملات الوجودية ،اسكب لي قدحا من إنسانيتك ،عله يمحو ما بداخلي من قسوة الإنسان . دلني على الطريق إلى الحلم المشاكس في اليقظة .لقد تعبت و تعبت لغتي،حروفي أعلنت عصيانها ،و تمردت المعاني ،و أنا ها هنا كما تركتني قد تجدني بعد قرن،متمرد على أبجديات الفكر ،أمشي مشية الحلزون إلى أحلامي .
أيها القديس ادريس ،
كلماتك تأشيرة أبدية نحو القلق ،و تأملاتك أرق دائم ،فكرك سفينة إبحار نحو جزر الأحلام ...وحدها القصيدة عصير كوكتيل ،يجمع كل الأسئلة و المتاهات ،كل القصائد جرعات متشابهة المذاق ،و طعم القصيدة لديك مختلف .فواكه من زمن الأساطير من أمكنة تحمل هم المتخيل ، تسكب البلسم صورا في جوف "ال جسد " .صبيب وادي الحبر مازال يعد بتشكل بحيرات ،لا ترضاها القصيدة بديلا للغوص و الاستجمام ،لقد جئتك اليوم متحدثا ،و أعلم مسبقا أنك أكبر من كل حديث و من كل تكريم ،و من كل ما قيل و يقال .انحني احتراما و طعم كلماتك في فمي ،ترغمني على الانحناء أكثر و أكثر ...