قراءة في قصيدة طير الضو و ضو الطير لادريس فكري
في مستهل هذا الطيران الشعري ،بدأ التحليق بنا بحرف نداء يفيد الخطاب المباشر ،اعتقدنا و نحن نسافر عبر أجنحة هذا الطائر ،أن نداءه سيأخذ صفة خطاب موجه للمنادى عنه"يا طير " لكن الأنا بنهجها المشاكس في الكتابة ،تسقط الخطاب الى الغائب "طار علا " الذي سيكون حاضرا بكل ثقله في كل محطات هذا النسج المسافر بنا عبر تحليق هذا الطائر ،الذي سيتخذ طيرانه أشكالا لانفعالات و تفاعلات متعددة بتعدد الوصف و ما يمليه هذا الارتباط الرمزي و الوجداني للأنا الشاعرة في علاقتها بالطائر كصفة للخيال الذي ليس له حدودا أو ضوابط ،سيما إذا كان هذا التحليق سيكون "ف سما الكلمة " ،و لعل الانتقال من خطاب النداء الذي غالبا ما يبنى على اساس توجيه خطاب يفرض على المنادى إلزامية الحاضر ،الى الانتقال الى فعل الماضي "طار تغنى" ،فهذا المزج الزمني في السطر الواحد ،أتى بهدف إحلال الاستمرارية في الفعل في علاقته الزمنية بكل ما سينقل الينا عبر هذا التحليق .فإذا كان هذا الطائر في المقام الأول يصحب في طيرانه الأنا الشاعرة و الآخر أي المتلقي "بك و بي " و طبعا هذه اشارة تضمينية على أن الكلمة و عبرها الشعر ،كتابة|سفر و تحليق ،يجمع الانا الكاتبة وكذا المتلقي، الذي يمكن الجزم بأنه فاعل أساسي في هذه العملية ،و ذلك من خلال تعدد القراءات التي يمكن أن ينسجها في مخيلته و هو يسافر في ربوع النص .و يتضح من تحليقنا الأول أن هذا الطائر غير عادي ،و ذلك لأن سماء تحليقه هي الكلمة ،"تغنى بالهمة بالحكمة|صالح النجوم مع السما" ،إنه طائر حكيم،و حكمته اخترقت كل المجالات الكونية .
طائر بريشه اخترق حدود الممكن كي يعانق المتخيل الأسطوري ،وحده الشعر من يقدر أن يلبس الكلمة رداء المحال ،"بريشة منه" ،هذه العبارة التي ستتكرر مرات عديدة ،في المرة الأولى أتت كي تضفي على الطائر|الشاعر أوصافا لأفعال كونية،فالريشة هي القلم ،قلم الشاعر الحكيم بكتاباته الكونية ،فقط بريشة واحدة و هو الطائر الذي ينعم بريش متعدد ،أو لنقل أقلام متعددة،استطاع أن يسكب ضوء قلمه على الضوء، حتى يكون مضيئا أكثر،بقلمه حرر تلك الشمس من أنياب الظلام،فهو الضوء و لا يمكن إطلاقا للضوء أن يتعايش مع نقيضه التي هي الظلمة.أما في المرة الثانية ،فإن الشاعر في إطار توظيفه لعبارة "بريشة منه" ارتأى أن ينزل طائره الأسطوري إلى عوالمه النفسية و الانفعالية،فقط بريشة منه أخرج هذا الطائر الانا الشاعرة من غياهب الصمت المثقل بالهم و الحزن "أنا الساكت على همه" بل أكثر من هذا أنه رسم الأنا الشاعرة و هي تنعم بالكلام "رسمني كنهضر" من أجل الإفصاح عن تراكماته السلبية السالبة للكلام .
اما الريشة الاخرى ،فقد أتت كي تخرج الانا الشاعرة من وضعها النفسي المتشائم، فالطائر الكوني و الاسطوري ،غير برسمه المسار النفسي للأنا الشاعرة من الفجيعة الى معانقة الفرح اللامتناهي ،بل أكثر من هذا،فإن ريشة|قلم الطائر،دفعت الانا الشاعرة كي تتخلص من سلبيتها النفسية و ذلك عبر تحويلها الى نفس صلبة "رسمني حجرة ـ واقفة فالجبهة"و "الحجرة"عبارة ضمنية تفيد دور هذا الرسم الطائري في إعادة بناء نفس الانا الشاعرة ،لكي تكون نفسا أكثر صلابة ،أولا للتخلص من وضعها النفسي السلبي،ثم لمواجهة الحياة" الجبهة" بثبات و توازن نفسي .
ثم تستعير الانا الشاعرة لغة و كلام هذا الطائر ،كي ترسمه و هو يغرد و يحلق ضد تيارات الارض التي يطير فوق سماءها ،أرض بمواصفات سلبية ،ارض تخرج من ارضها و محيطها ،انه اغتراب للارض في علاقتها بمحيطها الكوني و كذا محيطها الانساني "هاربة من برها من بحرها "،انها ارض تهرب و تخرج و تأكل ،فالهروب هو انسلاخ من التركيبة الكونية و الوجودية،و الخروج تنكر طوعي إرادي لساكنتها ،و أما الأكل هنا فانه فعل سالب للاخر ،و طمس صريح لتواجده الفاعل"عرق الصبر" فوق ترابها،و اكيد ان الافعال الثلاثة التي ادرجت بمدلولاتها الضمنية،تحيلنا على أن الخطاب الشعري كان في الاول خطابا كونيا في سياقه العام ،لكنه هنا اصبح محددا مكانيا عبر اشارات ضمنية لرقعة معينة،و بواصفات معينة كذلك .
و تعود الانا الشاعرة كي ترسم هذا الطائر المحلق و المسافر بنا في سماء الكلمة ،لكن هذه المرة في علاقته التعايشية مع البعد الزمني،تعايش يتأرجح بين يقين و عدم يقين الانا الشاعرة حول درجة و امكانية وقوع هذا التعايش ما بين الطائر و القرون الخمسة التي طواها تحت جناحه، "ما نعرف عاشها ..."لكن سفره في سماء هذا التعايش مع القرون الخمسة التي راكمها و هو يحلق في فضاء الكلمة باحثا لنفسه و لريشته|قلمه ،عن استقرار الرؤيا و التي يلتقطها عبر السفر في أصقاع الكلمة ،و النتيجة الحتمية لهذا التحليق هو ان يبني لنفسه المسافرة عش هناء،لكن بمواصفات تفاعلية و بأبعاد مكانية،تحفظ له سموه و ارتقاءه الدائم في الأعالي "حتى ابنى عشه ـ لفوق ف راس الكلمة " و أدوات البناء و التشييد كانت مسكا و عنبرا،و بكل الحروف شيد لنفسه مستقرا فوق الكتابة و داخلها "احيا بالكلمة ـ احيا ف الكلمة " ،لقد عاش بالكلمة و للكلمة،يغرد و يعيد نحت الكلمة مرتبطا بها ارتباطا وثوقيا،كما أنه اصبح يعرف بها "والكلمة من نهار عرفتها ـ منحوثة كلمته "
اخي و صديقي العزيز سي ادريس فكري
كان هذا مجرد نبش بسيط و متواضع لقصيدتك الرائعة "طير الضو ...و ضو الطير "
قصيدة وجدت فيها متعة القراءة و السفر و التحليق مع ذلك الطائر الذي يسكننا جميعا .
شكرا خويا ادريس على هذه المتعة التي انعمت بها علي .
لدي فقط بعض الملاحظات البسيطة ،و التي من المحتمل ان اكون مخطئا فيها ،فكما تعرف و يعرف الجميع اني لست ناقدا أكاديميا ،فقط أنا عاشق للزجل أقرأه باحثا عن الدلالة الكامنة خلف النص
ملاحظتي الاولى تهم هذا المقطع الشعري :
رسمني بسمة
تالفة ...
بين الفام
فمن الجانب الدلالي و تبعا للسياق الذي قبله ،كانت الانا الشاعرة تتكلم عن دور الطائر و مدى التغيير الايجابي الذي وشم به الذات الشاعرة ،بمعنى ان انعكاس افعال الطائر على الشاعر كان فعلا ايجابيا ،بينما في هذا البيت و بتوظيفك لعبارة "تالفة " توحي للمتلقي ان الفعل الذي يرجى منه التفاعل،كان فعلا سلبيا .فأرى ان تستبدل هذه الكلمة بأخرى تفيد الايجاب في التفاعل ، كأن تستبدلها ب "ثابتة " "رسمني بسمة ثابتة بين الفام " و لا مسافرة بين لفام ...
ثم الملاحظة الثانية ،أحبذ ان تكتب
منعرف عاشها
منعرف عاشته
احبذ ان تكتب: ما نعرف
خويا ادريس اني لا ادعي الاستاذية ،قصيدتك رائعة بكل المقاييس ،لدرجة انها تملكتني قرأتها للمتعة أولا ثم للسفر بداخلها و بداخلك ايها الشاعر و الزجال الذي نعتز بتواجده بيننا ،لك كل الود و التقدير أخي سي ادريس