سأبدأ من حيث انتهى المتدخل الكريم محمد كويري
جاء في انطباعه : رغم أن الحزن يغلب عليها .
ملاحظة تستحق الوقوف ما دام قد أثيرت من طرف قارئ مخلص، تفاعل بكل وجدانه مع النص.
وقوفي سيكون من أجل إغناء النقاش وتعميم الاستفادة ما دمنا هنا من أجل كسب المزيد من المعرفة والعمل على تخصيبها على أحسن وجه.
شخصيا لم أنكر الدوافع التي جعلتني أقدم على الانتساب فكرا وعاطفة للجامعة. أريد التعلم. التعلم أولا، وثانيا وليس أخيرا، خلق علاقات إنسانية في حضن الإبداع الإنساني ، علاقات تخدم الإبداع الذي يؤمن برسالته الفنية لا الذي يبحث له عن فرص انتهازية.
سيدي مخمد كويري أشكرك كثيرا على ملاحظتك الصادقة التي حركت فيَّ قارئا أخر ، لولا ما جاء في كلمتك ربما كانت قراءتي ستتخذ مجرى أخر.
تساءلت دائما كما سبق أن تساءل أخرون من قبلي : من يكتب ؟
القصيدة هي من تكتب الزجال ؟ أم الزجال هو من يكتب القصيدة ؟
لست هنا من أجل أن أختبر أحدا. أنا هنا لأستأذن معرفتي المتواضعة حتى أكشف عن جانب فينا ظل غائبا أو مهمشا لا ننتبه إليه .
هو أنه يمكن لذات نتعايش معها أن تكتبنا من خلال ذاتنا، أو بعبارة أوضح يمكن لذات أن تكتب شخصيتنا وهي تؤثر فينا، ومن ثمة تملي علينا أحاسيسها وهمومها فننصاع لها ونتحول لمرآة عاكسة لأشعة وجدان الأخر الذي هو بدوره مرآة لنا : إنه الشبيه ( وقد خلق الله من الشبه أربعين)، و يمكن لذلك الأخر أن يكون نقيضا لنا فنعكسه مع ذلك في كتاباتنا دون وعي منا. هنا يتجلى الدور الفاعل والخلاق للاوعي فينا.
حتى لا أبتعد على قصيدة « شهقة الماء ». أتساءل بعد هذه التوطئة المرتجلة: هل أنا أمام فريد حبار حتى أقوم بقراءة نفسية لشخصه ؟ أم أنا أمام متن زجلي ويتعين التعامل معه بعيدا عن صاحبه؟.
التساؤل الثاني هو ما أميل إليه في قراءتي هذه.
مفردتا البير والمطفية ساعدتاني منذ السطر الأول على ذلك.
مفردتان تحيلان عن الجماعة .. عن الأسرة... قد يجعلن من ذات الزجال ذات جماعية.
حتى حين يتكلم فريد حبار بضمير المتكلم فأنا لا أنصاع لضميره بقدر ما أحاول التواجد في الصورة لأهضم الفكرة ولأبقى قريبا من المتن ...
راني نغزل من دموعك يا عيني
فرحة تكون لك كحل عل الدوام
"على الدوام" هو ما يهمني هنا. كلمة واحدة تستطيع أن تغير كل شيء. هنا كلمة الدوام تفتح أمامنا فضاء لا متناهيا، يجعلنا نتنفس الكون بأكمله وننسى الصور الحزينة التي وردت وسترد في المتن، سأقدم لها ما يبررها.
حين تضاف إلى كلمة " الدوام" مفردة أخرى جاءتنا في صورة عميقة فإننا نتأكد مما ذهبنا إليه في قراءتنا مند الأول.
يقول الزجال عن البحر الذي هو رمز للكرم والجلال:
يحل صدره ف المد
يبقى الماء بشهقاته هو الحاضر والطاغي على النص بكامله : الماء .. الحياة .. الدموع ..الماء...
سترد كلمة ماء في المتن 14 مرة + ماء العنوان = 15 في مجموعها.
البير المطفيه + لبحر + الموج + الواد + الغيمه ...
الدمعة (أو الدموع )سترد 14 مرة (لاحظوا هذه المعادلة بين الماء والدموع ).
هل هي مقصودة ؟
شخصيا أعتقد ذلك، لأننا أمام متن نلمس الدهاء عند صاحبه.
سيكشف لنا الزجال فريد في المتن على شيء مهم حين يقول لنا بأن الغيمة تمطر دموعا ، أي ماء .. حياة ....
و أنا شفت بعيني السما غيمة
لاحت ثقلها دموع عل التراب
السحابة أصبحت عين تدمع، لكن الدمعة هنا تتحول إلى الماء ، ولو أن الدمعة في أصلها ماء ، ربما أصفى من الما ، ألا نقول حين نشبه شيئا ما على أنه صافي كالدمعة ؟.
ألا ترون إلى أين يأخذنا فريد ؟
إنه يبحث لنا عن الصفاء .
ألم يوضح ذلك حين قال ( يحلو لي أن أعيد الشطرين للتأكيد) :
راني نغزل من دموعك يا عيني
فرحة تكون لك كحل عل الدوام
******
كل شيء ماء عند الزجال ، وإن لم يكن ماء فهو يريده أن يتحول إلى ماء :إلى حياة .. الحياة .. لا شيء غير الحياة :
لغة الماء حية فكل ذات / و كلها بماه يلغي
نقطة تخويك ماء ف الحياة
دمعة حارة تحفر قبور الخطوات
الدموع ماء... / و الدم ماء /و الريق ماء /و لمداد ماء
و الماء نعمة الحياة / كلشي حي بالماء
و كلشي يموت الا مات الماء
الماء روح /زارع الروح / نشوف دموعي ماء
الا شفتها ف عيني / نقول راني حي
باحزاني ببكايا / دموع فرحي و هنايا /و نقول : راني حي
هو يريد دموعه ماء، أي حياة، يظهر ذلك حين يكرر : نقول راني حي
(هنا فريد سَهَّل عليَّ شيئا ما قراءتي لأفهم أن الدمعة لن تكون إلا رمزا للماء ثم الحياة..).
والآن وبعد قراءة متواضعة أعتقد أن سبب الحزن الذي أشار إليه القارئ الكريم له ما يبرره :
*قبل أن تمطر السماء تكون حزينة فيغلب عليها ذلك.
أثناء الوضع تكون المرأة الحامل (حزينة) وهي تتألم إلى درجة البكاء عند أغلبهن لسبب ألم الوجع ...
ما ذا تكون النتيجة بعد ذلك ؟
الحياة ... الفرح ... السعادة ...استمرارية النسل : نقول راني حي....
إجمالا يمكن القول أننا نستشف من شهقات الماء استعارات يحضر فيها الحلم منصهرا والواقع ، الإنسان متجددا والطبيعة. لذلك تسعى الاستعارات البارزة في النص لمعانقة الإنسان والكون ببعديهما الأنتربوسي والكوسموسي ، حيث الأول اجتماعي عاطفي ( الدموع )، والثاني إنساني كوني ( الماء).
ذاتان في ذات واحدة : الأولى دنيوية دامعة ( العين) وهي للزجال، والثانية علوية سائلة بالماء وهي للطبيعية ( السحابة )
الزجال فريد يعبر عن ذلك باستعاراته التالية :
لغة الماء حية فكل ذات / و كلها بماه يلغي /نقطة تخويك ماء ف الحياة
دمعة حارة تحفر قبور الخطوات
الدموع ماء... / و الدم ماء /و الريق ماء /و لمداد ماء
و الماء نعمة الحياة / كلشي حي بالماء /.............
جيت للدنيا و كيف بغات /جيت للحياة و كيف تشهات
أنا باكي و حي / أنا حي و باكي
البكاء كما قلت يأخذ بعدا إنسانيا عميقا ليكون نبعا أو منبعا للماء .. للحياة
يتضح جليا أن البكاء ( الدمع ) أخذ بالفعل بعده كما أراد له الزجال.
ألا يمكن القول بأن فريد حبار قدم لنا كتابة جديدة بطريقته من داخل أسطورة تحكي كيف أن محبين للحياة ومخلصين للعلاقة وأوفياء للحب ملأت دموعهما بحيرة.
هناك مجموعة من الأساطير تحكي عن نفس الحكاية جرت أحداثها هنا وهناك عبر الحضارات والأزمنة، نستحضر منها أسطورة أمازيغية هي " إملشيل". التي نستخلص من مضمونها كيف أن الدموع تحولت إلى بحيرة، لتعطي حياة لقلبين ..... بحيرة لا زالت تجلب إليها العشاق والمحبين من كل الجهات إلى يومنا هذا.
قد يتساءل القارئ غياب كلمة بحيرة في المتن الزجلي. وهذا أمر مقصود دون شك في ذلك لأن فريد حبار لا يريد لماءه الركود ، فالتجأ لاستعارات اعتمد فيها على الموج في حركته وعلى الواد في جريانه وعلى الدمعة في سيولها، من ثمة كانت الحياة ... الحياة في صيرورتها...
لغة الماء حية فكل ذات / وكلها بماه يلغي/ نقطة تخويك ماء ف الحياة
إدريس أمغار مسناوي
تيفلت : 22 / 05 / 2010 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة : و كلشي يموت الا مات الماء /الا شفتها ف عيني
إلا هي للإستثناء .
أقترح تعويض إلا ب : "ايلا" _أَوْ _ " إذا"، وهما مستعملتان لدى أهل الملحون.
"اذا" متداوله في أغاني الأطفال : اذا جاك غراب ، اعطه قراب ....
أو ب "إلى" وهي مستعملة في الزجل الحديث في الأقطار العربية .
*كان يمكن الاستغناء على هذا الشطر : و كلشي يموت الا مات الماء