االتربية والتعليم عند علماء المسلمين
-نموذج-
الإمام الغزالي
الحلقة الأولى
الدكتورة:صباح بلحيمر
إن هيمنة المناهج التربوية الغربية على المجال التعليمي والتربوي المغربي، تثير حفيظة كل غيور على أمتنا الإسلامية وتجعله يتساءل ألا توجد في تراثنا الإسلامي نظريات وآراء تربوية ؟ألم يعرف تاريخ أمتنا الإسلامية مربين يمكن الاستفادة منهم في هذا المجال؟
اهتم كثير من علماء المسلمين بموضوع التربية والتعليم ، أذكر منهم على سبيل الاختصار لا الحصر: ابن سينا والقاضي أبو بكر بن العربي وابن خلدون وأبو الأعلى المودودي والإمام الغزالي الذي سآخذه نموذجا للحديث عنه في هذا المقال.
ورقة تعريفية:
الإمام الغزالي: "450- 505ه"نشأ بطوس وتعلم فيها مبادئ العلوم ثم سافر إلى نيسابور فأصبح أكبر فقهاء الشافعية فيها،ودرس بالمدرسة النظامية ببغداد أربع سنوات، قصد بعدها الحج، فدمشق والإسكندرية ثم عاد إلى موطنه الأصلي حيث اشتغل بقية عمره في الوعظ والتدريس.
له عدة كتب منها" إحياء علوم الدين " الذي يعتبر مصدرا تربويا وتعليميا هاما استخلصت منه أهم آرائه في ا لتربية والتعليم، وإلى القارئ التفصيل.
آراء الغزالي التربوية والتعليمية:
يعتقد الغزالي بأن صناعة التعليم أشرف الصناعات لأن المعلم يشتغل بتطهير القلوب وتقريبها من الله .
أما هدف التربية عنده فهو غرس التدين والفضيلة إذ قال:" الخلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين،وهو على التحقيق شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين"1 وعن دور المعلم اتجاه المتعلم قال:"ثم ينبهه على أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة والمنافسة"2.
وقد خصص فصلا في كتابه في موضوع تربية الصغار كما تحدث في موضع آخر عن تربية الكبار.
آراء الغزالي في تربية وتعليم الصغار:
تتلخص آراؤه في :
*الطفل صحيفة بيضاء لذا يجب الاهتمام بتربيته منذ ولادته، بأن تكون مرضعته وحاضنته امرأة صالحة ذات دين.
"والصبيان أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب"3
*يجب تعويده خشونة المفرش والمأكل والملبس ويمنع من نوم النهار لأنه يورث الكسل.
*يعود المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل.
*يعلم في الكتاب القرآن وسير الصالحين والأنبياء ويمنع عن أشعار العشق ومصاحبة أهله.
*يستريح بعد تعب التعلم بلعب اللعب الجميلة، لأن منعه منها يبطل ذكاءه وينفره من التحصيل والطلب.
*تشجيعه على الخير بمكافأته على حميد فعله وجميل خلقه.
*يمنع عن التفاخر على أقرانه بما يملك أبواه ،كما يمنع عن لغو الكلام بتعويده مكارم الأخلاق مثل الصبر والشجاعة وقلة الكلام وطاعة الوالدين والمؤدبين والمعلمين.
*لا يسمح للصبي بترك الصلاة والطهارة إذا بلغ سن التمييز، وحين يصل سن البلوغ يعلمه المربي الشريعة والآداب.
* وجوب الاقتصاد في العلوم والتعنيف والعتاب"ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه"4.
*لا يعامل الصبيان معاملة واحدة ،بل يختلف علاجهم باختلاف أمزجتهم وطبائعهم وبيئاتهم "وكما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم ،كذلك المربي لو أشار على المريدين بنبط واحد من ا لرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم،وإنما ينبغي أن ينظر في مرض المريد وفي حاله وسنه ومزاجه وما تحتمله نفسه من الرياضة ويبني على ذلك رياضته"5
ينبغي على المربي أن يسلك مع الغلمان مسلك التدرج في ترك الخلق السيئ لغير القادرين على تركه دفعة واحدة"ينقله المربي من الخلق المذموم إلى خلق مذموم آخر أخف منه ،كالذي يغسل الدم بالبول ثم يغسل البول بالماء إذا كان الماء لا يزيل الدم".6
آراء الغزالي في تربية وتعليم الكبار :
درس الإمام الغزالي في المدرسة النظامية ببغداد ،فاهتم بالكتابة عن طرق التعليم وآداب المعلم والمتعلم ،أقتبس منها الآتي:
* وجوب تقديم الخلق الحسن قبل التعلم، لأن الطالب سيئ الخلق أبعد الناس عن العلم الصحيح النافع.
*القرب من الأهل والإقبال على الدنيا وترك الرحلة في طلب العلم يصرف الطالب عن التعلم.
*يتوجب على المتعلم التواضع لمعلمه وهو خلق حسن، إلا أن الغزالي بالغ في هذا الصدد حتى أنه قال إن خطأ المرشد أنفع للطالب من صوابه هو.
*منعا لحيرة ذهنه واندهاش قلبه، يجب على الطالب الابتداء بإتقان الطريقة الحميدة الواحدة التي يرضى عنه أستاذه، ثم بعد ذلك يتعرف على المذاهب الأخرى.
وجوب مراعاة الترتيب في العلم الواحد . *
وجوب إتقان الفن الواحد قبل الانتقال إلى غيره. *
*ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى في التعلم ،فلا يطمع المتعلم بعلمه في جاه أو رياسة أو مال .
* العطف والحنو على المتعلمين فيعاملهم المعلم معاملة البنين .
* نصح المتعلمين وزجرهم بالتعريض لا بالتصريح واطلاعهم على أنواع العلم.
* أن يعمل المعلم بعلمه فلا ينهى عن خلق ويأتي مثله.
* ألا ينفر المتعلم من العلوم التي لا يتقنها هو، ويتدرج في الارتقاء بتعليمه من رتبة إلى رتبة.
الهوامش
1- إحياء علوم الدين 3/ 49
دار المعرفة بيروت-لبنان.
2- المصدر السابق1/56
3- المصدر السابق3/72
4- المصدر السابق 3/73
5-المصدر السابق3/61
6-المصدر السابق3/62