التربية والتعليم عند علماء المسلمين
- نموذج-
أبو الأعلى المودودي
الحلقة الثالثة
الدكتورة:صباح بلحيمر
بعد تعرفنا على علمين إسلاميين وهما الإمام الغزالي والعلامة ابن خلدون ،وأهم أفكارهما التربوية والتعليمية ،سأتحدث في هذه الحلقة عن العالم أبي الأعلى المودودي ومجمل آرائه في موضوع الدراسة انطلاقا من مؤلفاته.
ورقة تعريفية
ولد أبو الأعلى المودودي سنة 1903 م بمدينة أورنك أباد في ولاية حيدر أباد-الهند- تلقى تعليمه الأولي في العربية والقرآن والحديث على يد والده
ثم التحق بالدراسة النظامية، حيث برزت مواهبه العلمية في إلقاء الخطب وكتابة المقالات وتأليف الكتب في مجالات عدة: الاجتهاد والسياسة والتربية والتعليم...
توفي ر حمه الله سنة 1979 م
التربية والتعليم عند أبي الأعلى المودودي
لا يفرق المودودي بين التربية والتعليم كما يفعل آخرون ،إذ يعتبرون التربية أشمل والتعليم بمؤسساته مسخر لخدمتها.
انتقد المودودي كثيرا وضعية التعليم بالبلدان الإسلامية بدءا بالمناهج التعليمية ومرورا بالمواد الدراسية والمعلمين والمتعلمين ،فاقترح مقترحات إصلاحية شاملة تجعل التعليم وسيلة بناء حضاري ، فماهي أهم هذه المقترحات؟
*بعث الروح الإسلامية:وهي المبتغى الأول من الإصلاح ،إذ وجه المودودي خطابا إلى المشرفين على عملية التعليم قائلا:"ويجب أن تكون تربيتكم على أسلوب يعلم الأجيال الناشئة أن يفتخروا بحضارتهم القومية بل الغرام بها ،ويبعث فيهم روح الخلق الإسلامي والسيرة الإسلامية ويؤهلهم لأن يتقدموا بتمدنهم القومي إلى معارج التهذب العالية بفضل علمهم وكفاءتهم الذهنية المدربة"1
*إعداد المربين:إن بعث الروح الإسلامية في المتعلمين لا يتأتى إلا بتحققها في المربين المسلمين لا الأجانب لأن "الرجاء من الباحثين الإفرنجيين أن يبنوا البناء من الهيئة الإسلامية كالرجاء من شجيرة الحنظل أن تنتج عنقودا من العنب"2
وينبغي أن يراعى في انتقاء المدرسين جانب التخصص والرسوخ في العقيدة الإسلامية قال:"يجب أن يبحث عن أساتذة... يكونون ذوي اختصاص في العلوم الجديدة، ويكونون بجانب هذا على بصيرة في القرآن والسنة،وتكون فيهم الكفاءة ما يستطيعون به أن يفصلوا حقائق العلوم الغربية عن نظرياتهم وأساسها الوجداني ويرتبوها من جديد على المبادئ والنظريات الإسلامية"3
وإذا استدعت الضرورة الاستعانة بغير المسلم في فن من الفنون فلا بأس بشرط أن يكون نافعا للمقصد الأساسي الذي يسعى التعليم لتحقيقه، وهو بناء ثقافة إسلامية واعدة4
*تعليم اللغة العربية:دعا المودودي إلى تعليم اللغة العربية لأنها لغة الثقافة الإسلامية، والوسيلة إلى التعرف على الإسلام مباشرة دون مترجمين أو شارحين ودعا إلى جعلها اللغة الثانية بعد لغة التخاطب في الهند قال:"ولكن اللغة التي هي أداة التعليم في الكلية يجب أن تكون بعدها اللغة العربية هي اللغة اللازمة"5
*المواد المقررة:سطرالمودودي رحمه الله منهاجا دراسيا للمواد الواجب تدريسها في الثانويات والكليات ،يتوافق مع دعوته إلى الحفاظ على الدين الإسلامي .
ففي مرحلة الثانوي يقترح المواد الدراسية التالية:6
- العقائد: ينبغي أن يتبع في تدريسها الأسلوب اللطيف البعيد عن التفاصيل الكلامية الجافة ليرضى وجدان الطالب ويقتنع عقله،ويعتقد بأن هذه التعاليم الإسلامية هي في نفس الوقت حقائق هذا الكون وهي ذات صلة عميقة بحياتنا.
-الأخلاق الإسلامية:ينبغي أن يمزج في هذه المادة بين التصورات الأخلاقية وقصص الأنبياء وسيرة الرسول عليه السلام والصحابة والتابعين ،كي يتعلم الطالب خصائص سيرة الفرد المسلم.
-أحكام الفقه:ينبغي أن يلقن الطالب أحكام الإسلام البدائية الضرورية فيما يتعلق بحقوق الله وحقوق العباد،ومغزى العبادات والأحكام وروحها ومصالحها ،مع إعلامهم بأ ن الإسلام يضع لهم برنامجا لحياتهم الفردية والاجتماعية،وكيف يحقق هذا البرنامج مجتمعا صالحا.
-التاريخ الإسلامي:ينبغي أن تدرس في هذه المادة السيرة النبوية وعهد الصحابة ليتعرف الطالب على أصل دينه وقوميته، وينبعث في قلبه الشعور الصحيح بالحمية الإسلامية.
-اللغة العربية:بغرض أن يستأنس الطالب بالأدب العربي.
-القرآن: لتخلق في الطالب ملكة قراءة القرآن الكريم بسلاسة ،وفهمه وحفظ بعض سوره.
أما في مرحلة الدراسة الجامعية فيقترح المودودي برنامجا عاما يعلم لجميع الطلبة في مختلف التخصصات ومن مواده:
-اللغة العربية
-القرآن الكريم
-التعاليم الإسلامية: حيث يتعرف الطالب على النظام الإسلامي الكامل ،ويعلم ما هي التصورات الأساسية التي يقوم عليها بنيان الإسلام ،وكيف تشكل السيرة الإنسانية والأخلاق بناء هذه التصورات،وماهي المبادئ التي تنتظم عليها حياة المجتمع في شعب الاجتماع والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية،وعلى أي نحو وزعت الحقوق والواجبات في النظام الاجتماعي بين الفرد والجماعة وماهي حدود الله؟وإلى أي حد أعطي المسلم حرية الفكر والعمل ضمن تلك الحدود .
وخص المودودي كليات الحقوق ببرنامج متميز نشره في كتابه"القانون الإسلامي وطرق تنفيذه في باكستان"ضمنه:
ضرورة توفر شرطي دراسة القرآن والسنة للملتحق بكلية الحقوق :ليشرع في دراسة القانون برؤية شرعية تؤمن بأن القانون وسيلة لإقامة الدين.7
لابد أن تشتمل مواد تدريس القانون ثلاث موضوعات:
دراسة أصول الفقه-
دراسة تاريخ الفقه الإسلامي -
دراسة المذاهب الفقهية المشهورة -
• حتى يتمكن طالب الحقوق من الفهم الصحيح للفقه ويمتلك قوة الاجتهاد وكفاءته باعتباره قاضيا ومفتيا ،ويتمكن من وضع القوانين المواكبة لتطورات الدولة مستعينا في ذلك بالطرق الصحيحة للقياس والاجتهاد.
العلوم والفنون الغربية:لأنها في نظره"نافعة كلها بذاتها ولا يعادي الإسلام أيا منها ...إن الحقائق العلمية من تلك العلوم والفنون يصادقها الإسلام وهي تصادقه والعداء في الحقيقة ليس بين العلم والإسلام ،بل بين الطريقة الغربية والإسلام"8
التربية الخلقية:التي ينبغي أن تكون حاضرة في جميع التخصصات ومنها كلية الحقوق لأن "الذين يتخرجون فيها يناط بهم القيام بتلك المهمة التي قام بها القاضي شريح والإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل والقاضي أبو يوسف-رحمهم الله- فينبغي أن يتخرج فيها رجال يشار إليهم بالبنان في تصلب الأخلاق ،حتى لا يتطرق إلى قلوبهم خوف أحد غير الله عند إفتائهم في قضية شرعية أو فصلهم بين متخاصمين في المحكمة، ولا يزلزل أقدامهم ولا يثبطهم عما يرونه الحق عند علمهم وضميرهم طمع ولا خوف ولا رغبة، ولا محبة ولا نفرة"9
هذه بإجمال مقترحات أبي الأعلى المودودي لإصلاح قطاع التربية والتعليم والنهوض به ،وقد كان يعلم رحمه الله بأنها لن تحظى بالقبول من البعض فقال"...فإن فعلوا فلن أستغرب الأمر لأن الناظرين إلى الوراء قد اعتبروا الناظرين إلى الأمام سفهاء في أكثر الأحيان...ولكن الذي أشاهده اليوم أني على ثقة بأنهم سيشاهدونه بعد سنوات...وسيشعرون بحاجة إلى الإصلاح حينما يكون الطوفان قد عم وغمر ولم يبق بأيديهم من فرص لتدارك ما فات إلا الأقل الأنزر" 10
الهوامش
1- نحن والحضارة الغربية ص 298 بتصرف،مؤسسة الرسالة.
2- دور الطلبة في بناء مستقبل العالم الإسلامي ص 13 ،الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية .سالمية.كويت.
3- نحن والحضارة الغربية ص 311-312 .
4-المرجع السابق ص 299 .
5- المرجع السابق ص 310 .
6- المرجع السابق ص 301-303 .
7-القانون الإسلامي وطرق تنفيذه في باكستان ص 214-215 مؤسسة الرسالة 1975 م
8- نحن والحضارة الغربية ص 304 .
9-القانون الإسلامي ص 218 .
10-نحن والحضارة الغربية ص.315.