عالم وكتاب
الحلقة الثالثة:ابن خلكان
الدكتورة: صباح بلحيمر
حياته:
لم ترد تفاصيل كثيرة عن حياته في كتب المؤرخين الذين أرخوا له، واتفقوا على أنه شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الشافعي البرمكي،ولد سنة 608ه في بيت فقه وولاية المناصب الدينية،فقد كان والده مدرسا بالمدرسة المظفرية بأربل-مدينة كبيرة بالقرب من الموصل-وكانت له حظوة بين علماء عصره وسلطان بلده،كما ساعده أيضا في تكوينه الثقافي مسقط رأسه أربل التي كانت وجهة الكثير من العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء،وهو ما أشار إليه في كتابه وفيات الأعيان في كثير من التراجم التي أوردها بقوله:ولقد رأيت في سنة كذا في مدينة أربل العالم كذا،أو لقد جاءنا في بلدنا في سنة كذا الشيخ كذا،أو ولقد سمعت في سنة كذا من الفقيه كذا ...
ومن العلماء الذين زاروا أربل وأخذ عنهم عالمنا:
*الشيخ أثير الدين المفضل أبو عمر بن المفضل الأبهري،أخذ عنه الحديث.
*والشيخ أبو جعفر محمد بن هبة الله بن المكرم بن عبد الله الصوفي، أخذ عنه صحيح البخاري.
*والشيخ جمال الدين أبو المظفر عبد الرحمن ،أخذ عنه الأدب.
ليكمل بعدها مسيرته العلمية بالتردد على الموصل ثم باقي أقطار العالم الإسلامي، ويتقلد عدة مناصب في التدريس والقضاء، إلى أن وافته المنية سنة681ه
كتابه وفيات الأعيان:
إذا ذكر ابن خلكان ،ذكر معه كتابه "وفيات الأعيان" الذي حاز على اهتمام العديد من العلماء والمفكرين فترجموه إلى عدة لغات منهم:
-يوسف بن عثمان "ت895ه"إلى الفارسية.
-دي سلين إلى الفرنسية في أربعة مجلدات.
-المستشرق دي سالان إلى الإنجليزية.
كما ترجم إلى اللغة التركية،عدا عن الذين اشتغلوا باختصاره والتذييل عليه وانتقاده.
ومدحه العديد من العلماء في كتبهم منهم:"ابن العماد الحنبلي" في "شذرات الذهب في أخبار من ذهب".
وابن كثير في "البداية والنهاية".
وابن شاكر الكتبي في "فوات الوفيات" الذي قال فيه:"فلما وقفت على كتاب وفيات الأعيان لقاضي القضاة ابن خلكان قدس الله روحه،وجدته من أحسنها وضعا لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة والمحاسن الكثيرة".
موضوع الكتاب ومنهجه :
-يعد كتاب "وفيات الأعيان"مصدرا في العلم والأدب والتاريخ واللغة.
-خصصه لتراجم الرجال ممن اشتهر اسمه بين الناس، ولم يقصره على طائفة معينة مثل الأمراء أو الملوك أو العلماء أو الشعراء، وتزيد عدد تراجمه على الثمانمائة.
-توخى الدقة في تحقيق نسب كل واحد وسنة ولادته،وسنة وفاته.
-جمع فيه ما ألفه العلماء قبله في تراجم الرجال، وزاد عليهم بترجمته لمعاصريه.
حقق فيه الأعلام وضبطها ضبطا دقيقا، ميزه عن غيره من المؤرخين.
و قد تحدث عن كل هذا في مقدمة كتابه فقال:"هذا مختصر في التاريخ دعاني إلى جمعه أني كنت مولعا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة،وتواريخ وفياتهم ومواليدهم ومن جمع منهم كل عصر ،فوقع لي منه شئ حملني على الاستزادة وكثرة التتبع فعمدت إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن،وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده في كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات كثيرة في سنين عديدة،وغلق على خاطري بعضه،فصرت إذا احتجت إلى معاودة شئ منه لا أصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه لكونه غير مرتب،فاضطررت إلى ترتيبه على حروف المعجم أيسر منه على السنين، فعمدت إليه ليكون أسهل في التناول ...ولم أذكر في هذا المختصر أحدا من الصحابة رضوان الله عليهم،ولا من التابعين رضي الله عنهم إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم،وكذلك الخلفاء لم أذكر أحدا منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب،لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ونقلت عنهم أو كانوا في زمني ولم أرهم ليطلع على حالهم من يأتي بعدي..ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء،بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته، وأتيت من أحواله بما وقفت عليه مع الإيجاز كي لا يطول الكتاب،وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه،وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة ليفكه به متأمله ولا يراه مقصورا على أسلوب واحد فيمله..."
سد كتاب وفيات الأعيان فراغا في المكتبة العربية، في تراجم الأعلام في مختلف الفنون، إلا أن عليه مآخذ منها أنه:
-لم يتخلص من نزعاته المذهبية أو العصبية، فمرة يسرف في المدح ومرة يسرف في الذم.
-رتب الأعلام على أسماء أصحابها، وإن لم يشتهروا بها.