التربية والتعليم والحضارة
الدكتورة:صباح بلحيمر
التربية والتعليم عنصران أساسيان من عناصر الحضارة،فلولاهما لما وصلت حضارات الشعوب إلى ما وصلت إليه.
فالإنسان يتشكل في سن العشرين وتربيته وتعليمه هما المحددان لشخصيته، فإما أن يكون فردا عاديا يجاري مجتمعه أو يكون متفوقا يستخدم عقله ومنطقه في تغيير المجتمع وتغيير عاداته المخالفة ،ويشارك في الأنشطة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع.
لهذا نجد أرباب التجارة والصناعة والحكومات في أمريكا وأوربا يهتمون بالدور الفعال للتربية والتعليم، ونموذجه فرنسا التي حينما تحل بها كارثة تعمد إلى دراسة أسبابها لتستنتج بأن التربية والتعليم لم يكونا على ما يرام قبل وقوع الأحداث، فتعيد النظر في مناهجها.
وهذا هو عين الصواب الذي ينبغي أن تقتدي به أمتنا العربية المسلمة التي لم تقف يوما على أسباب تخلفها ومصائبها وانتكاساتها ،ودراستها دراسة شاملة رغم حملها لشعار ولواء الإسلام بنظرته الحضارية والعامة الشاملة للكون ولطبيعة الإنسان ،والأدلة على هذا كثيرة أذكر منها:
-لم يتحدث الله سبحانه وتعالى عن نفسه في سورة الفاتحة بأنه رب قوم بعينهم ،بل قال عن نفسه بأنه رب العالمين.
-ما اشتملت عليه التعاليم الإسلامية من قيم وأخلاق عالية، لا تتم إنسانية الإنسان إلا بها.
-دعوة الإسلام إلى تعلم العلوم الدينية والدنيوية،لأن حاجات الإنسان متعددة ومتنوعة ،والعلوم تبعا لها ينبغي لها أن تتعدد وتتنوع لتحقيق التوازن بين تلك الحاجات،وحاجات الإنسان المادية لا تقل أهمية عن حاجاته الروحية.
هذه كلها عوامل جعلت آراء علماء التربية والتعليم في الإسلام تتجانس مثل نصير الدين الطوسي وابن جماعة والغزالي وابن خلدون وإخوان الصفا في الرسائل وابن مسكويه في تهذيب الأخلاق.
وهذه بعض آرائهم:
-إشاعة العدل الاجتماعي والعقلاني والاهتمام بعنصر الإنسان، وهو نفسه الذي يدعو إليه المفكرون المعاصرون .
-دعوتهم إلى التخصص، إذ لا ينبغي للطالب أن يتلقى علوما متنوعة في وقت واحد كيلا يتشتت ذهنه.
-التربية أوسع من التعليم وتبدأ منذ الصغر، وينبغي على المربي أن يعتني بالأخلاق بمقدار عنايته بتحصيل العلوم.
-ينبغي على المعلم أن يكرر درسه أكثر من مرة، ثم يمتحن الطالب في استيعاب ما ألقي إليه.
فظل هذا أسلوبهم في التربية والتعليم إلى ما بعد تأسيس المدرسة النظامية التي اعتبرها بعض المؤرخين أول مدرسة أكاديمية في الإسلام تعنى بالحاجات الروحية والعقلية والمادية للطلاب.
إذن فكيف يمكن لأمتنا الاستفادة من دروس علماء المسلمين في التربية والتعليم سعيا للنهوض الحضاري؟
-إعادة النظر في مناهجنا التربوية وجعلها أكثر عقلانية وعملية،تتلاءم والمناخ العام الذي نشأ فيه الطالب،بدل استيراد مناهج تربوية وتعليمية غريبة أثبت الواقع فشلها في بلدانها .
-حضور الجانب الروحي والأخلاقي في تلك المناهج.
-الابتعاد عن المحاكمات المجانية للمواد الدراسية.
-الابتعاد عن الاتكاء على الماضي دون الاستلهام منه بما يتلاءم والثورات العلمية والتكنولوجية والتطورات على مختلف الأصعدة.
-الاهتمام بالعنصر البشري وجعله موضوعا رئيسيا في المناهج والكتب المدرسية، بحيث يصبح قادرا على الإنتاج والبحث والإبداع للمساهمة في النهوض الحضاري، لا مجرد ببغاء يردد ما يلقى إليه.
-الاهتمام بالمربي والمعلم وتحفيزه ،وإعطائه المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها فيما مضى.
هذه اقتراحات تحتاج إلى تكثيف الجهود لترجمتها إلى واقع ملموس، سعيا خلف النهوض الحضاري، وطردا لشبح التخلف والجمود على مستوى التربية والتعليم الذي يلقي آليا بظلاله على باقي قطاعات المجتمع .