تعال معي، سأريك شيئا لم ترينه من قبل، شيئا يستحق السفر، خذ معك بوصلة، واجعل الجمال والفضول عقاربا لها، ولا تنس قلبك، أفرغه من كل شيء، واحمله معك، لأنك ستملأه بأشياء أجمل، وأروع، من التي كانت معك..
اتبعني، سنسلك هذا الطريق، افتح النافذة الشرقية، مد بصرك الى المنتهى، ماذا ترى؟؟
- رَجل يمشي تحت المطر
- هل تعرفه؟؟
- لا، لا أظن ذلك.
- حسنا، هو كذلك دائما، يمشي تحت المطر، يحمل معه دفتر، يكتب الشعر، وينحت وجوها على قلوب الشجر..
يجمع الحصى الصغيرة، ويقف على الجسر يقدفها في البحيرة.. و قبل أن يقذفها، يوشوش لها بسر من أسراره..
هو ذاك.. حين يفرح يبكي، وحين يحزن، يخاصم الكلام..
وكل مساء يزور ساحة الحمام، يقف أمام الساعة المائية، دقيقة للقلب، ودقيقة للحلم، ودقيقة للآت..
ثلاث دقائق يقفها كل مساء، ثم يجلس يطعم الحمام، ويراقص نافورة الماء، يكتب مطلع القصيدة، ويعيد الدفتر الى جيبه..
- ما رأيك بم ترى؟؟
- جميل فعلا.. هل يوجد أناس بهذا الجمال بيننا؟؟
- لا، لا يوجدون.
- وماذا عن هذا الرجل؟؟ أليس موجودا فعلا؟؟
- نعم إنه موجود، وأكبر دليل على ذلك، أنك تراه الآن.
- دعينا نكلمه.
- لا، لا تجرب ذلك.. منذ عام، وهو يدعوني الى الوقوف معه تحت المطر، و قذف الحجارة في البحيرة.
منذ عام، وهو يقف في ساحة الحمام، دقيقة للآت، لكنني رفضت أن اكون آتيه..
هذا الرجل سيختفي قريبا، فاجمع في قلبك من الجمال ما استطعت..
- أين سيذهب؟؟
- أنا دعوته لأجلك، وبمجرد أن نغلق النافذة، سيرحل، ويعود الى موطنه.
- وأين موطنه؟؟
- إنه بطل روايتي الجديد، أنهيت البارحة خطوط ملامحه، و سماته..
و حين فتحت النافذة، مثل أمامي في أول مشهد تحت المطر.. والتفت نحوي يلوح بيديه، ويدعوني الى النزول.. هو رجل من ورق، يعيش بين دفات الكتب، يسكن ضفاف الحلم، ويكبر في بساتين اللاشعور..
لذا فلن تجد له مثيلا بيننا..
هيا أَغلق النافذة، و تعال..
جرس الباب يرن، سأفتح..
الرجل ذاته، يطلب الجلوس لثلاث دقائق، قرب المدفئة، حتى يجف معطفه