عالم وكتاب
الحلقة الثانية :ابن حزم الأندلسي
الدكتورة:صباح بلحيمر
حياته:
هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري،ولد بقرطبة سنة 384ه،نشأ في أسرة مثقفة مترفة،تلقى دروسه الأولى على أيدي النساء، كما أفاد من رجاحة عقل أبيه ورفعة شأنه فقد كان وزيرا للحاجب المنصور بن أبي عامر،ثم لابنه المظفر من بعده.
أخذ عن شيوخ بلده، فاشتغل بالعلوم الدينية والتاريخية والأدبية والفلسفية واللغوية.
مؤلفاته:
ذكر ابن حيان بأن مؤلفاته لم يعد أكثرها عتبة البيت وأحرقت في عهد المعتضد بن عباد
وتعود أسباب إحراقها إلى:
*جهل العامة في زمانه وجمودها وقصورها عن التفكير الصحيح
*طريقته الصارمة ولسانه السليط الموجهان نحو فقهاء عصره مما جعلهم يحقدون عليه ويؤلبون عليه السلاطين والعامة،ويحذرونهم من فتنته.
*جرأته في التعبير عن آرائه.
*صراحته في تغليط من سبقه.
*استقلاله بمذهب فقهي جديد ،أثار حفيظة الفقهاء فانطلقوا يهاجمونه ،ومنهم القاضي أبو بكر بن العربي الذي قال في كتابه العواصم والقواصم "...هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها،وتكلمت بكلام لم تفهمه،تلقفوه من إخوانهم الخوارج حيث تقول لا حكم إلا لله،وكان أول بدعة لقيتها في رحلتي القول بالباطن فلما عدت وجدت القول بالظاهر، قد ملأ المغرب سخيف كان من بادية اشبيلية نشأ وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أن إمام الأمة ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا"،وهو يقصد صاحبنا ابن حزم.
ورغم ذلك فقد استنقذ له التاريخ مؤلفات كثيرة في علوم شتى ،تدل على موسوعيته وسعة علمه أذكر منها:
في الأدب:*طوق الحمامة في الإلفة والألاف
*الأخلاق والسير في مداواة النفوس
في الفقه: *المحلى
*الإبطال"يؤيد فيه المذهب الظاهري"
*الفصل في الملل والنحل"يقارن فيه بين الأديان والملل"
*الإحكام في أصول الأحكام
*شرح حديث الموطأ والكلام في مسائله
في التاريخ:*الإمامة والخلافة
*الفهرسة"تاريخ بني حزم وشيوخهم"
*المفاضلة بين الصحابة
*فضل الأندلس"رسالة في ذكر علماء الأندلس"
في الفلسفة:*مراتب العلوم"في كيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض"
*التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية.
وسأختار في هذا الموضع الحديث عن كتابه المشهور "جمهرة أنساب العرب"
أهمية الكتاب:
يتحدث ابن حزم في كتابه عن علم من أهم العلوم التي اهتم بها أسلافنا، وهو أنساب العرب ومن لاذ واتصل بهم.
وهو علم اهتم به العرب منذ القديم ووضعوا له القواعد والأسس وألفوا فيه الكتب لأن شرف النسب كان من الكمالات البشرية التي تدفع صاحبها إلى الترفع عن الدنايا، والتحلي بالمكارم والمحاسن و الأخلاق.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟قال:أتقاهم ،قالوا:ليس عن هذا نسألك،قال :يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله،قالوا :ليس عن هذا نسألك،قال :فعن معادن العرب تسألونني؟خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" أخرجه مسلم في صحيحه.
موضوع الكتاب:
في علم الأنساب و هو علم مهم في نظر المؤلف، لأنه جليل وتضييعه وإهماله تضييع لفروض واجبة، لأن به يعرف المرء:
*والديه وكل من يلقاه بنسب
* الجائز له بنكاح من غيره،فيتجنب الأنكحة المحرمة
*من يتصل بهم برحم يستوجب الميراث أو صلة رحم أو نفقة...فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل ،مثراة في المال،منسأة في الأجل،مرضاة للرب"رواه أحمد في مسنده.
وفي كتاب جمهرة أنساب العرب ،يعقد المؤلف الصلة بين القبائل العربية النازحة إلى الأندلس والمغرب،وبيوتات الحكم والولاية والسلطان،وبين أصولها الشرقية التي انحدرت منها دون أن يغفل ذكر الأماكن التي تجمعت فيها تلك الجاليات،فيشير إلى أسماء البلدان وتعليل تسمياتها.
ويرى المؤلف بأن العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال :وهم عدنان وقحطان وقضاعة.
"فعدنان من ولد إسماعيل ،وأما قحطان فمختلف فيه بين من يقول بأنه من ولد إسماعيل وهذا باطل ،وبين من يقول بأنه من ولد سام بن نوح،ومن يقول بأنه من ولد هود عليه السلام،وهذا باطل لقوله تعالى:"وإلى عاد أخاهم هودا"سورة الأعراف64،ولقوله سبحانه أيضا:"وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية"الحاقة 5 ،وأما قضاعة فمختلف فيه فقوم يقولون :هم قضاعة بن معد بن عدنان،وقوم يقولون:هم قضاعة بن مالك بن حمير".
لينتقل بعدها إلى ذكر جميع الفروع التي تفرعت عن عدنان وقحطان وقضاعة،مثبتا الصحيح منها،ولاغيا المشكوك فيها ،مع ذكر القبائل والبطون المشهورة ليسهل الوقوف على اتصال بعضها ببعض.
وبعد حديثه عن العرب ،تحدث عن نسب البربرفقال:" قال قوم :إنهم من بقايا ولد حام بن نوح-عليه السلام-وادعت طوائف منهم إلى اليمن،إلى حمير،وبعضهم إلى بر بن قيس عيلان،وهذا باطل لا شك فيه،وما علم النسابون لقيس بن عيلان ابنا اسمه بر أصلا،ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر..ورأيت لبعض نسابي البربر أن زناتة هو شانا بن يحي بن صولات بن ورتناح بن ضري بن سقفو بن جنذواذ بن يملا بن مادغس بن هوك بن هرسق بن كراد بن مازيغ بن هواك بن هريك بن بدا بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح النبي عليه السلام.
أما عن بيوتاتهم بالأندلس فيذكر:وزداجة،ملزوزة،مغيلة،مكناسة،زناتة،مديونة، هوارة مصمودة، أوربة، زواوة من كتامة ،صنهاجة".
دون أن يغفل ذكر:
- نسب بني إسرائيل مستفيدا من دراسته المتفحصة للتوراة.
-و ملخص لأنساب ملوك الفرس
-ونسب بني قيس المولدة بالأندلس
وختاما أقول بأن الكتاب يعد بحق وثيقة تاريخية مهمة في أ نساب العرب ،وأهم الأحداث التاريخية والقبلية والأدبية وأيام العرب والمشهور من أمثالها و أنبائها.