إن الواقعية منذ قال بها " إنجلز " نظرية لا تعني بسطح الواقع ... و لها نوعية خاصة في الفن فالمضمون الفني في الواقعية الإشتراكية ليس هو المضمون السياسي أو الاجتماعي أو الفلسفي أو السيكولوجي المضمون الفني النوعي . يتعلق بطاقات الإنسان الجوهرية – و هذه هي تعبيرات ماركس في شبابه و تعبيراته في رأس المال – الجزء الثالث أي في قمة نضجه – فالمضمون لا يأتي جاهزا ثم يصوغه الشكل . فليس المضمون مضمونا – كما يقول هجل و ماركس إلا إذا تحول إلى مضمون ... و لكن ما معنى هذا ؟ نأخذ ما يسمى حاليا بالأشكال الأدبية الأغنية الملحمة مثلا ... الأغنية أو الملحمة لم تبدأ إلا مضامين تشكلت و تجسدت الخطوات المتتابعة في البناء هي في أصل مضامين مجسدة و هذه الخبرات جردها الشكل و نظمها و عمقها ...
و تحولت هذه الخبرات في تفاعلها مع المضامين الجديدة لتنشئ أشكالها الجديدة. لم يكن هنالك كيان اسمه الشكل و آخر اسمه المضمون . و لا يوجد سائل نصبه في وعاء و لكن الشكل و المضمون – أيضا يمكن أن ينفصلا و أن يتناقضا. لماذا ؟ لأن الشكل أكثر محافظة و المضمون هو الذي يأتي باكتشافات جديدة . و طوال التاريخ كانت الأشكال تتشيأ و تحول على قواعد جامدة و يصبح الخروج على هذه القواعد الفنية جريمة . الوحدات الثلاث المشهورة في الدراما – مثلا قيدا خانقا – و حتى الآن نجد من يكلمنا عن نوعية القصة القصيرة أو القصيدة بمنطق لا يجب أن تخرج عن هذه القواعد في المضمون الجديد تأتي التجارب الفنية. الخصوصية الإنفعالية المتعلقة بطرح أسئلة جديدة اسيرة الأشكال القديمة و لا يخلق الشكل الجديد. للمضمون الجديد إلى عبر معركة صراع في المضمون و في الأشكال و حينها يعي المضمون نفسه – من الممكن أن يكتشف شكله الجديد . لا يوجد أسلوب اسمه الأسلوب الواقعي ... و إن كان قد حدث خطأ عند كثير من منظري الواقعية – انهم خلطو بين تصوير الحياة الواقعية بشكلها الواقعي كما هي ... بين أحد الأساليب و بين الواقعية ككل الواقعية ليست أسلوبا بعينه بل تمدد ضخم من الأساليب الحديثة و من إحياء الأساليب القديمة و استلهامها فالواقع ليس ما تراه العين المجردة في التجربة اليومية ... أول شيء في الواقعية ... بأن الواقع متدرج. و إن كان هناك تناقضا بين السطح و الجوهر هما في نفس الدائرة من الوجود لكنهما ليسا متطابقين تعتبر اشكالية الشكل بالمضمون في الفن إحدى الإشكاليات الكبرى.
تعتبر إشكالية علاقة الشكل بالمضمون في الفن إحدى الإشكاليات الكبرى و يمثل العصر اليوناني البداية الأولى لهذه الإشكالية خصوصا مع الدارسين الفيلسوفين الكبيرين. أفلاطون و أرسطو مع ما بين موقفهما من فروق كبيرة.
أفلاطون فموقفه من الفن و الأدب و الذي انتهى به إلى طرد الشعراء من جمهوريته الفاضلة. فمعروف جدا و لهذا فموقفه السلبي هذا. و ناتج عن تصوره الفلسفي العام المثالي. يجعله يرفض الفن عامة. في شكله و مضمونه. لأنه محاكاة من الدرجة الثالثة حسب تصوره الهرمي للوجود إلا أن هذا الموقف يجعلنا نفهم أنه ناتج عن عدم فهمه لطبيعة الفن و " الفنية " و لاقتصاره على مضمونه و أفكاره فقط و نلاحظ أن إحدى مأخذه الكبرى على الشعراء هي أنهم كذابون يقولون مالم يشاهدوا و يفسدون الأذواق ... " مما يعني اقتصاره الكلي على جانب المضمون في الفن . أما أرسطو فقد كان موقفه خطوة عملاقة في هذا الإطار. إذ أنه لم يفهم المحاكاة بالطريقة الأفلاطونية – نعم لقد ظل محافظا على نظرية المحاكاة لكن وجهة نظر مغايرة تماما و مناقضة لتصوير أفلاطون . و خطورة و أهمية التصور الأرسطي يكمن في طرحه لفكرتين تمثلان قطب نظريته : أ – تأكيده على أن الفن ليس محاكاة مباشرة أو نقلا مر أويا لما هو واقع . فهذه مهمة التاريخ. أما مهمة الفن فهي نقل و التعبير عما هو ممكن الوقوع. و هنا يطرح أرسطو موقفا متقدما ( يقترب كثيرا من الموقف الذي انتهى إليه المذهب الماركسي الذي تجاوز نظرية اعتبار الفن نقلا مباشرا لمظاهر الواقع ) لأن تأكيد أريسطو على هذا الموقف يجعل مهمة الناقد لدى دراسته لعمل فني لا تتجلى فقط فتناول جانب المضمون أو المعنى. كما فعل أفلاطون لأن الفن لا ينقل ما هو موجود و بالتالي فهدفه الأول ليس إفادة المتلقي بالمعارف بل أن هناك جانب آخر لا يقل أهمية عن الأول. هو جانب الشكل و في هذا يطرح أريسطو مثاله المشهور " إن تصوير حيوان بدون قرنين على أنه ذو قرنين بطريقة فنية رائعة أفضل من نقله كما هو بقرنيه بطريقة فاسدة رديئة فنيا " ب – و يتمم هذا التصوير بفكرة أريسطو المعروفة في كون التصوير الفني يضفي على الأشياء مسحة جمالية رائعة تجعلها مختلفة تماما عما عليه في الواقع. بحيث أننا مثلا – كما قال – نعشق جيف بعض الحيوانات و هي مصورة و منقولة الينا فنيا في حين نكره رئيتها في الواقع كما أننا ننبهر و ننجذب إلى صور بعض الأشخاص الذين نعرفهم في حين أننا نلقاهم بكل برودة و دون انبهار في الحياة العادية ... إن لكل شيء و ظاهرة خصائص كيفية معينة. و سمات جوهرية يكون مجملها محتوى هذا الشيء مضمونه.مثلا. أن محتوى الكتاب هو ما يصور فيه من أحداث و أناس و أفكار. أما الشكل فهو اللغة و الصور الفنية و الأوصاف التي يستخدمها المؤلف من أجل أن يعبر عن المحتوى على أكمل وجه و هكذا ترون أنه لابد للمحتوى أن يرتدي شكل إن صح القول فبدون الشكل المطابق لا وجود له و يستحيل أن يوجد و هكذا ليس لكل شيء و لكل ظاهرة محتوى و حسب بل شكل ذلك أن الشكل هو تنظيم تركيب المحتوى الذي يجعل وجود المحتوى ممكنا إن تبعية الشكل للمحتوى لا تعني أن هذا المحتوى المعين لا يستطيع أن يبعث للحياة شكلا واحدا و وحيدا فقط . يتضح هذا بصورة حسنة على ضوء أمثلة من الحياة الإجتماعية حيث الشكل ينجم من محتوى مرتبط دائما بظروف تاريخية ملموسة معينة و لذا لا يمكن أن يكون فقط شكل واحد وحيد جامد و لكن . إذا كان الشكل خاضعا للمحتوى. فلا يعني أن هذا الشكل لا يلعب أي دور كان ؟ كلا . لا يجوز التقليل من أهمية الشكل. فالبرغم من تبعيته للمحتوى. إلا أنه يؤثر فيه تأثيرا فعالا لنأخذ على الأقل هذا المثل : يلقي الأستاذ محاضرة : المواد التي جمعها كثيرة الوقائع طريفة و لكن شكل العرض غير حي و غير ممتع يعرض المواد بصورة ضعيفة و جافة فهل ينعكس مثل هذا الشكل على المحتوى ؟ أجل ينعكس بدون جدال : إن المحتوى يصل بصعوبة إلى المستمتعين يقوم أستاذ آخر بعرض الوقائع نفسها بصورة حية و ممتعة و سطاعة أن النتيجة الحاصلة تختلف تمام الاختلاف . فقد استوعب المستمعون كل شيء بصورة جيدة .و بلغ المحاضر الهدف.