هكذا يشاء المكـان..قصة قصيرة بقلم زهرة زيراوي

والد جان دارك كعادته كل صباح، يحتسي القهوة، وليس كعادته أن يدخن فقط بقايا سيجارة كما اليوم، يرفع عينيه إلى السماء.

تسأله أم جان دارك : كأنك غير هنا، يرد: بلى فقط أريد أن أكتب اليوم رسالة إلى عشتار، عل نار الحرب لا تتركني أكتب لها بعد اليوم، تناوله ما تبقى من ورق فيسل القلم من جيب سترته و يعكف على أوراقه ....

ها أنت مــــــــعي

إنني أنظر إلى محياك، نذرع ردهات البيت " ما تبقى من البيت " سوية، لا أستطيع أن أمد يدي إلى ما بقي في حوزتنا من طعام.

تعلمين أننا مسيحييون كاثوليك والدك من جيل شرقي أوسطي و أمك فرنسية الجذور، عشنا في زمن الإنتقال من القيم التقليدية للعائلات الكبرى،إلى العائلة النواة الغربية، دخلت أرقى المدارس، وتعلمت مع الصبيان، لا فرق كان الهدف الذي يرمي إليه التعليم هو أن تكونوا أحرارا، أصرت والدتك يوم مولدك أن تسميك جان دارك و أسميتك أنا عشتار تعودت على الإسمين كما تعودنا نحن . أحايين كثيرة أناديك " جان دارك "

منذ طفولتك كنت تصرين على أن تكوني غلامية، تلعبين الكرة مع أطفال الحي،كانوا خليطا من نصارى و مسلمين، لم أصدك كانت هذه حداثة لبنان.

لا أخفيك يوم وضعتك أمك جف حليبها فأرضعتك فاطمة جارتنا، الحاجة فاطمة الآن أنا الكاثوليكي .

لم أفهم ذالك يومها، أدخلت سبابتي في فمك لأقيئك حليبها، أصر ثدي أمك على جفوته، وأصبحت أنت أكثر طلبا لحليب فاطمة .

كبرت و كبر معك حبك للخالة فاطمة، أحيانا كنت تنادينها " يامو " و كنا نضحك من هذه البنت المسيحية الكاثوليكية، الشيعية بالرضاعة ثم العلمانية التي تردد في الجامعة الشعارات المعادية للإمبريالية، وترفعون شعارات الثورة الفلسطينية، وتغنون أغاني البيتلز لبول ماك كارتني وجون لنن، لم أنس المقطع الذي كنت ترددينه :

Let it be

كنت دائما ترددين : أريد أن أكون جان دارك، أريد أن أكون عشتار . أنت الآن داخل الأوردة، برفقتي، أما هم الذين يحاولون اغتصابك أتعتقدين أنهم سيفلحون ؟؟

هم واهمون، لن يسمح لهم إخوتك أن يمروا إلى جسدك أبدا.

كــــــــــــوني واثقة بأنهم لن ينالوك.

لقد قلت لك يوما: إن للزمن لغة أخرى،و قراءة أخرى،

لقد اخترت أن تكوني في الجبهة مع إخوتك؟؟ لا تمنوا على الوطن ذالك، تذكروا :

غرسوا فأكلنا، و نغرس فيأكلون .

تعلمت قراءة وجهك، إن وجه أمك الذي يغشاه الإصرار هذه الليلة كانت تفشي إلي تفاصيله أكثر و أكبر الإعترافات، ما أكبر الشبه بين تقاطيع وجهك وتقاطيعها، حتى ولو لم تكوني معنا فوجهها نائبا عنك، شيء ما غير مرئي تحت الجلد تمر رسائله عبرإحساس ما، في لحظة ما أسميك " عشتار " أمك تسميك جان دارك، دعوناك للنضال منذ سميناك .

عشتار يا حبيبتي قولي أي شيء،دعيني أسمع اللعنات التي تخصون بها القاتل المتربص

كم أحزنكم صمت العالم إذ يرى القاتل يحمل عدته و يتجه صوبكم .

بأفواه مفتوحة على مصاريعها،و بأيد متشنجة تنادون القوة الخارقة أن تتدخل

لم يكن قلبكم قاحلا أنتم الذين تغدقون الحب.

لم أبك من قبل يا عشتار .لكن لم أكن محصنا.

كان في قلبي شيء ما يحدثني أن زلزالا سيهز صيفنا، سيحدث يوم 12/07/ 2006

حدث كان أكبر هولا و أكثر قسوة .

حدثني قلبي في ذالك الصباح أن الجرس سيدق يعلن أن شيئا ما سيحدث لأننا رفضنا أن نمر على الجسر .

تعرفين معنى أن تكوني مكبلة، ينظر إليك الوحش،ينظر إلى الطراوة الفاتنة بحقد شرس، لقد صبغ وجهه بلون رمادي أغبر و كشر عن أنياب ذئب، ذالك الصباح.

إنني أعرفك يا عشتار مكابرة، و عنيدة و تصرين على ألا تنكسري أبدا.

أعرف أنك ستنتقمين أنت و رفقة السلاح، و هاأنتم اليوم تصرون على أن تشحذوا سلاحكم.

من المسئول عن هذا الجرح الغائر ، ليس اليوم بل تاريخيـــا ؟؟

آه لو تعلمين كم كنت مشتاقا لأرى البلاد تفتح أبواب الأيام ليمر أولادها بأجسادهم المدماة أمام العالم، هاهم يمرون :

رجال باعوا أنفسهم إلى الله ...... و أطفال رأوا الشمس بازغة في حقولهم و اللعب تغدقها عليهم الطائرات، و دبابات الميركافا، سطر عليها أبناؤهم: هدايانا إليكم، فركض أطفالنا إلى هدايا الميركافا ضاحكين .

لم تعرف قلوبهم أنها هدايا الموت .

احتضنوها لتدخل إلى أمعائهم الجائعة، ليشبعوا موتا،،،،،، لكنهم شبعـــوا حياة، هاهم:

شادي، مرعي، فاطمة، علي حسن، يوسف، إبراهيم ...... ما أطول القائمة يا عشتار.

أرخى القلم و صفن مرة أخرى في عشتار التي أبت إلا أن تكون على الخطوط ألأولى ببنت جبيل.

كانت البلاد كأنها مسقوفة بنار جهنم،و الضاحية تتحول إلى خراب و آثر رجل وامرأتان أن يموتا هاهنا تحت الأرزة التي اعتادوا أن يحكوا تحت ظلالها تاريخ حكاياهم، كانت الصور في الغرفة التي تكوموا فيها تحمل صور العذراء و عيسى و علي، و كان أبناء البلاد جميعا يقولون :

- احذروا القتلـــــــة

قال المسلمون :

- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة

ردد المسيحيون الإنجيل :

- وقال لهم : الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة

كان كل من الحاجة فاطمة، و أم جان دارك، و أب جان دارك، يتناوبون السيجارة المتبقية، يشربون

ما تبقى في الركوة من القهوة التي أعدتها أم جان دارك بحب الهيل هذا الصباح .

تحاول كل منهما وهي تمسك بيد الأخرى أن تستقيم وهي تمشي . كلاهما تحدث الأخرى و تبسمان كأن الحرب لا تعنيهم، أو إعتادوا عليها فأمست من خيوط اليوم، تماما كما تقول : هذا المساء أو هذا الصباح، تقول اليوم شن العدو حربا .

يتابع أب جان دارك الكتابة :

حبيبتي سأبوح إليك بأسرارهم، بأسرارنا أيضا :

إنهم يضعون كل يوم قرصا ساما في طعامنا و أيدينا تمتد إلى طعام تعرف أنه مسموم لكننا نأكله، بالتدريج جعلوننا نحن القتلة، أنابونا عنهم في قتلنا

نبقر بطن كل صباح، كل ليل، حسبنا أن هذه الشناعة نعيشها دون أن نثأر .كنا نتعفن .

أنا أرى وجهك المنور مشرقا كله،لقد سددتم أنتم أبناء الأرض سهامكم القاتلة يا عشتار لقلبه،جعلتموه منبوذا، لقد أحصينا على الملإ غدره

أحصينا حروبه الست :

1956

1967

1973

1982

2000

12 /07 / 2006

ها أبناؤنا الآن يقولون للعالم لقد فقأنا عين الغول،و دفعناه باتجاهكم، جربوه قليلا لو استطعتم .

لقد كانت سلطته قادمة إليه من التكنولوجيا العمياء، أما نحن فكانت آتية إلينا من نسيجنا، من خلايانا، من التاريخ الطويل للصراع .

ثـــــــــــــلاثة و ثلاثون

هذا العدد يسكن ذاكرتي ، إنه عمر المسيح يا عشتار ، هل تذكرين قتله في ذالك السبت الشنيع .

ثلاثة و ثلاثون يوما، قد عددتها نهارا،نهارا، و ليلا،ليلا . كانت بالنسبة لي عمر المسيح



لقد نفض أبناؤنا غبار أحذيتهم على وجهه

أنا السبعيني أقول لبلادي إذا لم أسارع فأقوم بهذا الدور فقد أنبت عني أولادي،يوسف، إبراهيم،عشتار،ربما هم المطلوبون تاريخيا للقيام بالدور ..

ليتتظم عقد التاريخ يا عشتار، لتغني للعـــــالم :

لعل الأرز سيزدهر بدماء أبنائه أكثر أكثر .

و ستنبت رؤوسنا في خلاء فسيح و ساحر

يا الله ما أخف الحياة التي نحياهــــــا

و ما أثقل الصبـــــــــــر

يــــــــا اللــــــــه

تجربة حرب تموز من المؤشرات النابضة على تلاحم الثقافات / اسلامية و مسيحية ..انها الدعوة التي من اساليبها الخطابية يرجى استثمارها تهيئة للمصالحة الوطنية و نبذ الحروب الطائفية بلبنان عندئذ يكتمل النصر الداخلي اسوة بنظيره الاقليمي
رائع هذا النص و لئن كانت قوى الادلجة العرقية المتحكمة فيه تميل نوعا ما الى الجانب المسيحي تميزا على مستوى الخطاب المباشر بانتهاج انزياح صوري من تقاطعاته كان التوظيف للرموز الدينية الا فيما اشترك جذرا كسيدنا ابراهيم مثلا ....
على العموم ...فكرة النص في ااخير انما هي سرد لتجارب الصراع من اجل البقاء للجانبين معا