صوت نسائي بدأ يشق طريقه في صمت في عالم القصيدة الحداثية... تبسط عوالمها الشعرية، وهي تعصر نبيذها الروحي لتقدمه شموسا ، وزهورا إلى هذا المتقي المتعطش للكلمة الجميلة...
سفرها الجميل هذا أسفر عن أضمومة شعرية بعنوان(إكسير الروح) يعلها تتبوأ مكانة محترمة في الساحة الشعرية المغربية.
ومن خلال القصائد التالية (سأبسط لك الغيم- مهب الحنين- رسالة مجهولة- أعنيك بالضبط- إيزيس- أغار- المسافر في دمي- صوتك- تشظي- جنون- زيف- الوقت- مدينتي- بطول صمتك ، يكبر موتي- ذكرى- سأراقص شياطين الهوى- )، تستلفتنا العنونة التي اعتمدت فيها الشاعرة رشيدة فقري..
- فهل يمكن أن يكون العنوان ثريا النص؟...
- هل يمكن للكلمة أو الجملة أن تختزل النص اشعري كله؟.. وتكون له عنوانا؟..
- ما السحر العجيب الذي تمتلكه هذه الكلمات التي تجعل المتلقي ينجذب نحوها، ويفتح لها قلبه،وعقله، ونفسه؟..
- كيف جاءت عناوين شاعرتنا فقري؟...
يقو ابن سيدة: العُنوان و العِنوان: سمة الكتاب ،وعنون عنونة، وعنوانا: وسمه بالعنوان. وفي جبهته عنوان من كثرة السجود: أي أثره.
وسمي بالعنوان لأنه يعلو النص. وبهذا فهو لم يعد عنصرا تابعا، بل صار عنصرا بنائيا بعد أن أولته المنهجيات الحديثة اهتمامها الكبير يوم حولته من عامل تفسير مهمته وضع المعنى أمام القارئ إلى مشروع للتأويل[1]..
إن العنوان بنية صغرى، وأن:"أحدا لن يستطيع الإفلات من إيحاءاته التي يولدها، وعليه فإن العنوان لن يفهم منقطعا عن نصه، ولا تدرك إشاراته إلا عبر العلاقة بينهما"[2]...
وقد أولى علم العلامات (السميولوجيا) أهمية كبرى للعنوان، إذ اعتبرته أساسيا في مقاربة النص الأدبي، وبوابة لدخول أغوار النص، واستنطاقه.. واعتبره روبرت شولز:"خالق النص الأدبي ، ومانحه الهوية"[3]...
إن العنوان رسالة لغوية تعرف بتلك الهوية وتحدد مضمونها، وتجذب القارئ إليها، وتغريه بقراءتها[4]...
ويراه البعض نصا صغيرا ، يهدف إلى تحقق وظائف شكلية ، وجمالية، ودلالية تعد مدخلا للنص..إذن فهو علامة لغوية ذات دور علامي مهم بالنسبة للنص الذي يتصدره[5]...
وعندما نقف إلى هذه العناوين التي اعتمدتها الشاعرة رشيدة فقري مدخلا لقصائدها، نجد أنها قصدت بوعي اختيار هذه العناوين، لإيمانها بما يلعبه العنوان من إغراء على المتلقين واستدراجه إلى معانقة النص اشعري.
وقد وردت هذه العناوين مركبة(10 منها مركبة)، و7 مفردة... ويمكن تقسيمها إلى عناوين بتركيب جملي اسمي، مثلمهب الحنين- رسالة مجهولة- المسافر في دمي- - إيزيس- صوتك- تشظي- جنون- زيف- الوقت- مدينتي- ذكرى)، وتمثل نسبة 66.66%... وعناوين بتركيب جملي فعلي سأبسط لك الغيم- أعنيك بالضبط- بطول صمتك يكبر موتي- سأراقص شياطين الهوى- أغار)...وتمثل نسبة 33.34%...
تقول الشاعرة رشيدة فقري في قصيدتها(سأبسط لك الغيم): سأبسط لك الغيم
متكأ
سأمطر ليل شعري
حيث تغفو
وأعصر نبيذ الروح
في كفيك
سأسرج قوس قزح
أجمع النجوم
وأنثرها
على قدميك
سأغير نواميس الطبيعة
أصالح الليل مع الشمس
والريح أجزئها
نسيمات على وجنتيك
سأراقص شياطين الهوى
سآخذ حجم السماء
وأحتويك
سأكون رشة عطر
في معصميك
هكذا نجد أنفسنا أمام ذات شاعرة تفيض حبا ووجدا.. يجعلها لينة.. قاهرة لكل صعب.. تستطيع بقوتها العاطفية الدفينة أن تبسط الغيم، وتحول الشعر إلى مطر...والروح إلى نبيذ يغري الشاربين...كما تستطيع أن تجعل من قوس قزح مطية تسرجها لتطوف بها الآفاق..
إنها تملك قوة هرقلية، تمكنها من تجميع النجوم ، ونشرها.. أمام قدمي هذا الرجل الذي تعلن له، وعليه الحب...ولا تقف عند هذا الحد، بل بهذا الحب تغير نواميس الطبيعة، وتجعل الليل نهارا... وتقوم بتجزيء الريح إلى نسيمات تنشرها على وجنة هذا المحبوب.. وتفتح ذراعيها ملء السماء لتحتويه.. بل تلازمه كظله.. إذ تصبح رشة عطر في معصميه.. يشتم أريجها كل مرة...
لكن عندما يتجاهل هذا الآخر ، والذي تعلن عليه الذات الشاعرة الحب، إشاراتها، وحركاتها.. فإنها تتجه إلى المباشرية، وإلى التحديد المدقق.. فتخبره أنها تعنيه هو بالضبط، لا سواه...إنها في مقام العشق، مقام التفرد.. تدخل ذاتها فتدرك أنها تحمل في قلبها بذرة تساوي الإنسانية كلها.. حينها تتراءى الصورة.. وينبثق الاسم كالفينق من بين شفتيها ملتهبا كالجمر.. وهذا يبين مدى تعلقها ، ومدى الحب الذي يغمر قلبها... على شفاهها اسمه،وفي داخلها صورته.. وما بين القلب والشفاه نار حامية.. تخاطب محبوبها فتقول: اسمك نار على شفتي
نار تتأجج في أعماقي
محياك
أشعة بلورية .. تخترق
كياني..
وفي رئتيك
نسائم الغسق الواهج
حبيبي
حروفك
حبات الدر
وضحكك
كل هذا الملاذ الذي يحملني
إلى السحاب
وعندما يشتد حنينها ن تناجيه في مساءاتها.. وتبوح في خلوتها بهذا الحب المشتعل في داخلها... فتنادي في سكون الليل معلنة أنه يسافر في دمها ليل نهار.. وأنه يمتلك كل شرايينها.. شوقها ثبته إليه مع النوارس، والفراشات.. ونور النهار....كل هذا من أجل أن يحيا هذا الحب.. وتبقى شعلة القلب لاهبة، ومنيرة: أيها المسافر في دمي
المتشظي في شراييني
أيها الجاثم
على الصدر
لا أريدك أن ترتاب
اسأل النوارس التي تحمل
شوقي إليك
اسأل الفراشات
اسأل الوجود الذي
لا يحتمل بعثرتي
اسأل رماد القلب
اسأل غصة الحلق
أيها المسافر في دمي
اسمك
اختزل كل الأسماء
بسمتك
اختزلت قوابيس الضياء
إنها من فرط الحب تراه ديوان شعر.. لا يجمع إلا درر القول.. وسيمفونية تتعالى بأجمل لحن...إنها في ليليها وأمكنتها، وأزمنتها.. تتشظى.. لتتهاوى موسيقى وقصيدة...ونجمات.. إنها ترى فيه جمالا، يقارن الكون: أجمل ما فيك..
عيناك
ديوان شعر
سمفونية عشق
هرب مني
المكان والزمان
تساقط الليل
موسيقى
وتهاوت
ملايين النجمات
تشظيت
بين يديه
جزيئات
جزيئات..
ألعق الدفء
المنسكب من راحتيه
امتلأت به
امتلأ بي
امتلأنا ببعض
وانصهرنا...
في خيط من شعاع
إن حبها في مضمونه هو نوع من الجنون.. نوع من الحلم الميتافيزيقي...حلم يتساوى فيه العشق والحلم، والحياة...
الزمن فيه بلا هوية.. والمكان رحلة أبدية.. كل ما فيها نبض قلب، ووهم يبحث عن لحظة جنون يزيل بها غربة قديمة... فلا تجد أمام جنونية هذا الحلم إلا الانتظار عله يأتي.. ويقترب ذات مرة... حلمي
خبز... سكر
مكان بلا زمان
حلمي سفر يداهمه طيفك الوارف
طيفك...الخبز
والسكر
المكان...والأمان
طيفك الأيام التي تمضي سريعة
الأيام التي تمضي سريعة
الأيام التي لا نهاية لها
طيفك
يغمرني بكل هذا التلهف
بكل هذا الجنون
طيفك
سيمفونية عشقي
العود الذي يعد نبضات القلب
طيفك هو ذا الوهم
الرابض على الحائط
طيفك سيدي
كل هذا الاغتراب
في هذا الحلم تضيع الملامح.. وتتحول الذات على طيف .. هلامي لا تتحقق من رؤيته ولذا يتحول هذا التعلق تعلقا بيجمالونيا.. تعلقا بوهم جميل...
وعندما تعييها الإشارات، والتلميح المقصود.. تلجأ إلى أسلوب ثالث وهو الرسالة... رسالة مجهولة العنوان، والمرسل..رسالة مجهولة من امرأة تعشق حد الجنون..
في رسالتها هاته تكتب عن كل شيء، وتحكي كل شيء.. عن اسمها، وتاريخ ميلادها.. وإحساساتها .. واختياراتها... تحية عطرة
سلاما زكيا
سيدي الذي... لا يعرفني
اسمي يشبه ملايين الأسماء
تاريخ ميلادي
عنف اصطدامي بك
حين
اختلت الشمس بعشيقها
فأليل الكون سيدي
أنت
من أحلتني إلى هذا الملاذ
إلى هذا الرماد
أنت الهوية
الهواية التي أقرأها بكل اللغات
فإن حفظت أبجديتك
لم أعد في حاجة إلى أية لغة
تزاحمني فيك
كل اللغات التي
أمتلكها
لا تساوي كلمة تغص في حلقي
كل اللغات
عقيمة
ولغتك خصبة سيدي
توزع الحياة في عروشي
لكن ، عندما يطول صمته.. تكثر استفهاماتها.. وتتعالى وساوسها وتساؤلاتها.. وتستيقظ هواجسها.. فتدب الحيرة إليها.. تدكها جيوشها دكا.. فينمو في داخلها يأس قاتل، وقلق أسود يلقي بسترته على النفس... فتشعر بالخوف: الخوف من النهاية.. الخوف من الفراغ... والرحيل إلى الجنون.. وأمام حيرتها تتراءى أمامها صور نساء عانين مثلها حيرة قاتلة: كيلوبترة.. ونفرتيتي...فباسم الحب ضاع عرشهما.. وكان الحب رحلة إلى اليأس والجنون..وأمام هذا تستنطق ذاتها.. تستنطق مشاعرها فلا تجد جوابا، فتلجأ إلى الورق تستنطقه، علها تعرف أخباره...: يطول صمتك
تتناسل
في الغيم استفهاماتي
تزحف جيوش الحيرة
تدكني قلعة قلعة
يكبر اليأس
تينع شظايا القلق
يهوي الليل على الروح
أنا الخائفة
الطفلة التي توشحت بالبياض
هاجمتك
جنوني المشرع
رسائلك الحالمة
لا تفيد الأرشيف
استنطقت
الورق
استنطقت عمق الأماني
التي توهمتها في عينيك
فأجد
كيلوبترا
تميل عن عرشها؟..
ونفرتيتي
تبحث عن بريقها في عيني
تبحث عن لذة
أستحضرها
في ابتسامتك
في همس الحب الذي
أرشفه من شفتيك
ها مراره صمتك
قسوتك
تقطعني وصلات حزينة
- إيقاع البياض والفراغ في شعرها:
1- إيقاع البياض:
اعتمدت الشاعرة رشيدة فقري على تقنية التفضية في هندسة قصائدها.. مع توظيف جدلية الامتداد والتقلص، أو التجاذب المكاني.. وبالتالي القراءة البصرية تشي بهذا التجاذب الذي يلعب فيه البياض والسواد دورا إيقاعيا كبيرا.
" إن البياض ليس فعلا بريئا ، أو عملا محايدا أو فضاء مفروضا على النص من الخارج، بقدر ما هو عمل واع، ومظهر من مظاهر الإبداعية... وسبب لوجود النص وحياته..
إن البياض لا يجد معناه .. وامتداده الطبيعي إلا في تعالقه مع السواد. إذ تفضح الصفحة بوصفها جسدا مرئيا لعبة البياض والسواد بوصفه إيقاعا بصريا"[6]...
إن هذا التقطيع للمسافة المكانية للقصيدة عند الشاعرة رشيدة فقري:"يولد إيقاعا أو إحساسا بالتعادل المكاني ، الذي هو هنا في الوقت نفسه تعادل زماني.. هذا التعادل المتكرر هو تواتر يمنح الصوت المتلفظ إيقاعه المسافي الزمني"[7]..
هذه السيمترية البصرية(فراغ البياض)، تتجلى في شعرها.. حيث تعطينا هندسة شعرية أو كتابية، يمتد فيها البياض أو السواد.. حسب الدفقة الشعرية.. والحالة النفسية التي عليها الذات الشاعرة أثناء كتابة القصيدة..
وعندما نلاحظ الأسطر الشعرية نجد أنها تتفاوت طولا وقصرا في القصيدة الواحدة... فهناك أسطر تتكون من كلمة أو كلمتين أو ثلاث... وأطولها يتكون من سبع كلمات.. وهذا وفر لقصائدها نوعا من الإيقاعية.. إذ يصبح كل سطر عندها وقفة شعرية، وقائما بذاته... تحية عطرة
تحية عطرة 2
سلاما زكيا 2
سيدي الذي... لا يعرفني 4
اسمي يشبه ملايين الأسماء 4
تاريخ ميلادي 2
عنف اصطدامي بك 3
حين 1
اختلت الشمس بعشيقها 3
فأليل الكون سيدي 3
أنت 1
من أحلتني إلى هذا الملاذ 5
إلى هذا الرماد 3
أنت الهوية 2
الهواية التي أقرأها بكل اللغات 5
فإن حفظت أبجديتك 3
لم أعد في حاجة إلى أية لغة 7
تزاحمني فيك 2
كل اللغات التي 3
أمتلكها 1
لا تساوي كلمة تغص في حلقي 6
كل اللغات 2
عقيمة 1
ولغتك خصبة سيدي 4
توزع الحياة في عروشي 4
2- الفراغ المنقط:
إن التشكيل الهندسي للأسطر الشعرية أصبح دالا.. تتجلى من خلاله نفس الذات الشاعرة واصطراعاتها، وانفعالاتها.. انبساطاتها وتواتراتها...
والإبداع الشعري يتأثر بكل هذه الحالات ويتفاعل معها.. وتصبح الكتابة ، والتفضية شكلا أو صورة له...
لذا نجد الشاعرة رشيدة فقي تعتمد الفراغ المنقط للتعبير عن بعض الحالات النفسية واضطراباتها.. وتموجاتها... مدها وجزرها.. الشيء الذي يعطي للنص الشعري دلالات معبرة ، مصاحبة...
- فهل الفراغ الذي نجده في بعض قصائدها يعبر عن المسكوت عنه؟.. ربما.
- هل اعتمادها على هذا الفراغ المنقط، هي غاية منها لدفع القارئ/ المتلقي إلى استكماله، واللجوء إلى مخيلته لتصور الحالة الشعرية.. والعمل على استمرارها؟.
- هل تريد منه المساهمة في خلق النص؟...والمشاركة في العملية الإبداعية؟... أجم ما فيك
عيناك...
ديوان شعر
سمفونية عشق..
هرب مني
المكان والزمان
تساقط الليل
موسيقى..
هكذا نجدها تجعل من الفراغ عنصرا أساسيا في إنتاج دلالية الخطاب، وإن " إيقاف البيت في نقطة ما من انطلاقه، أو انبثاقه في نقطة ما من فراغه يعضدان بلاغة المحو التي تناقض بلاغة الامتلاء في القصيدة التقليدية. ويطل البياض رحما تتجمهر فيه احتمالات كتابة منذورة لاسترسال المحو، حيث القارئ وحده يستطيع ملء الفراغ كل مرة يقرأ فيها النص . وبتعدد القراءة يتعدد فعل الكتابة أيضا"[8]...
- بنية البناء في شعرها:
1- بناء الأساليب الإنشائية في شعرها:
الأساليب الإنشائية على ضربين:
1- ما يقتضي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب، كأساليب: الأمر، والنهي، والنداء،والاستفهام، والتمني...
2- ما لا طلب فيه، كالتعجب، والقسم، وأساليب العقود، وأفعال المقاربة، وأفعال المدح، والذم.
والأساليب الإنشائية الطلبية ذات دلالات متوهجة مضيئة، تتغذى من مسارب العاطفة الأدبية، ومن تموجات الانفعالات النفسية. فتنوع اللغة ، وتثري مادتها، وتدفع عن السامع الملل من تلقي أسلوب واحد.. وكلما كانت الأساليب الإنشائية مكثفة ، زادت شحنة التوهج في الأسلوب كله.
وعندما نتمعن في قصائد الشاعرة رشيدة فقري، نجد أن الأساليب الإنشائية قليلة جدا في شعرها... فهي تعتمد الإخبار ، فالتحول إلى الإنشاء، ثم الرجوع إلى الإخبار...
ومن الأساليب الإنشائية الموظفة في بعض قصائدها نجد أسلوب النداء، باعتماد أداتين(يا)، و(أيها)...واللتان من خلالهما تنادي البعيد وهو هذا المتفرد بصمته، وبتجاهله وبنأيه.. وبتفانيه عن الإحساس بحبها وعشقها. أيها المسافر في دمي
المتشظي في شراييني
أيها الجاثم
على الصدر
لا أريدك أن ترتاب
وقولها أيضا: يا عابثا بشراييني
يا ساكنا
بين عيني
وعيني
كيف
قل لي
يا حرفا من دمي
على جبيني
كما نجدها تعتمد في بعض المقامات على أسلوب الأمر.. باعتماد فعل الأمر الصريح.. اسأل النوارس التي تحمل
شوقي إليك
اسأل الفراشات
اسأل الوجود الذي
لا يحتمل بعثرتي
اسأل رماد القلب
اسأل غصة الحلق
أيها المسافر في دمي
كما نجدها توظف أسلوب النهي، وذلك في قولها: سيدي سلاما زكيا
ولا تسألني
عن اختياري
فأنا الوالهة
بين
دفء صدرك
ونار بعدك...
ونجدها أيضا تعتمد بكثرة على الإخبار... والمتميز بالجمل الاسمية، التي تبين من خلالها حالتها النفسية، ومدى العمق النفسي الذي يميز الصورة التي تقدمها للمتلقي وهي في لحظة حنين وشوق وانتظار... اسمك.. نار على شفتي
نار تتأجج في أعماقي
محياك
أشعة بلورية.. تخترق
كياني
وفي رئتيك
نسائم الغسق الواهج
حبيبي
حروفك
حبات الدر
وضحكك
كل هذا الملاذ الذي يحملني
إلى السحاب
صمتك.... جلال
غضبك
أعاصير
زمهرير
رضاك
وطن للأغاريد
وطن للزغاريد
ملجأ الفراشات
2- بناء الأساليب البلاغية في شعرها:
إن الشاعرة رشيدة فقري، اهتمت بشعرها ن وحملته بعض المواد البلاغية.. خاصة إذا علمنا أنها تستحضر عند كتابتها شعرها قولة ابن طباطبا العلوي في كتابه "عيار الشعر":"الشعر متشابه الجملة، متفاوت التفصيل"... ولذا جاءت في قصائدها بجمل شعرية حافلة بالتشبيهات والصور.
وكل التشبيهات التي أوردتها ووظفتها ، هي في أوصاف نفسية المرأة.. وتصوير حالتها النفسية.
وتجدر الإشارة إلى أن التشبيه الموظف في شعرها أكثريته تشبيهات بليغة، انعدمت فيها أدوات التشبيه.
تقول في قصيدتها(أغنيك بالضبط): اسمك .. نار على شفتي
نار تتأجج في أعماقي
محياك
أشعة بلورية.. تخترق
كياني
وفي رئتيك
نسائم الغسق الواهج
حبيبي
حروفك
حبات الدر
وضحكك
كل هذا الملاذ الذي يحملني
إلى السحاب
صمتك.. جلال
غضبك...
أعاصير
زمهرير
رضاك...
وطن للأغاريد
وطن للزغاريد
ملجأ للفراشات
عندما نتملى هذه القصيدة ، نجدها حافلة بالتشبيهات البليغة التي انعدمت فيها أداة التشبيه. فالجملة الشعرية(اسمك نار على شفتي)، تتوفر على تشبيه يشتمل على ركني التشبيه: المشبه وهو (اسمك)، والمشبه به ، وهو(نار)..لكن تنعدم أداة التشبيه،ووجه الشبه...فتصبح الجملة بعد التأويل على الشكل التالي: اسمك كنار على شفتي
كنار تتأجج في أعماقي
محياك...كأشعة بلورية تخترق
كياني
وفي رئتيك
نسائم كالغسق الواهج
حبيبي
حروفك
حبات كالدر
صمتك كجلال
غضبك .. كأعاصير
كزمهرير
رضاك كوطن للأغاريد
كوطن للزغاريد
كملجأ الفراشات
والسؤال المطروح هنا، هو: ما وجه الشبه في كل هذه التشبيهات البليغة...؟
إن النار تمتاز بتوهجها،وبنورها وضوئها..كما تمتاز بحرارتها وحرقها...ولذا شبهت اسمه على شفتيها كالنار، إذ تسمع طرطقة الحريق. فكان لاسمه صوته ودويه وهو يخرج من بين شفتيها.. كما أنها تشعر بدفء ، ونور يشع في داخلها وهي تنطق بهذا الاسم..
ووجهه يشبه الأشعة البلورية في اللمعان، والوضوح، والشفافية، والنقاوة..وهذه كلها دلالات على جمال محياه، والوسامة التي كان يتمتع بها..
وعندما نجمع أوجه الشبه كلها، نجد أن الشاعرة رشيدة فقري، تتغيى منها شيئا واحدا، هو أن هذا الرجل الذي تكن له كل هذه المحبة.. وتشعر نحوه بكل هذا الحنين، يمتاز بدماثة خلقه، وصفاء سريرته..ونقاوة قلبه، ونور جنانه، ووسامة خلقته.. وبالتالي فهو عملة نادرة، وجوهرة قل نظيرها في العالم الواقعي.. وهذا ما يزيد الذات الشاعرة تعلقا ، وارتباطا به...
3- البناء الموسيقي والإيقاعي في شعرها:
يتبع-
[1] - د. علاق، (فاتح)، مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، (د. ط)، 2005، ص: 24
[2] - عبد الوهاب، (محمود)، ثريا النص: مدخل لدراسة العنوان القصصي، دار الشؤون الثقافية، سلسلة الموسوعة الصغيرة، بغداد، 1995،ص: 9
[3] - الزميت،(بلقاسم)، السيميوطيقا وحدود التفضية في الشعر العربي، ومجلة فكر ونقد، العدد 18، 1999، ص: 96
[4] - د. علاق، (فاتح)، المرجع نفسه، ص: 26
[5] - د. المطوي، (محمد الهادي)، شعرية الكتاب الساق على الساق في ما هو التارياق، مجلة عالم الفكر، العدد 100، 1999، الكويت، ص: 455
[6] - العيد، (يمنى)، في معرفة النص ، دراسات في النقد الأدبي، دار الآداب، بيروت، ط4، 1999، ص: 106
[7] - يمنى العيد، المرجع نفسه، ص:107
[8] - بنيس، (محمد)، الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها ، ج3: الشعر المعاصر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ص: 131
الجمعة سبتمبر 17, 2010 4:26 am من طرف محمد داني