يا جسدي
املأ عينيك رمادالصهوته
الاشجار احترقت
في شهوة
عابرة
املأ عينيك بما شئت
من خضرة الريح
من زرقة الموج
من غسق
كالدجى
او عبير يسافر
في عتمة سافرة
املأعينيك وكن راية تتناسل
في الغيمة الساهرة
كن كما شئت
كن نجمة تهتدي في غياباتي
بالحنين المدمى
ايا جسدا يكتب الشوق فيك
سلاما...
سلاما
دم واحد يكفي كي نخرج من نومنا
و نسافر في لسعة الناي
في لثغة القيثار الحزين
ايا جسدا يكتبه الغيم
و تنشره الريح غب الرحيل
ايا جسدي
لك مني سلام
في شهقة الباب
في هفوة المزلاج
و في شهوة تمسح الحزن عن دارنا
لك مني سلام
في دمعة سادرة
فلتكن
انت لي وطنا
من حنين
و من شجن
و لتكن
انت لي
راية تهتدي بي
قي الليلة الحائرة
محمد بالبيضاء
---------------------------------------------
الكتابة عن الجسد ظلت دائما شبه حكر نسائي. لأن القاعدة العامة تقول بأن المرأة أكثر معرفة بجسدها الأنثوي. لذلك قد تكون المرأة الكاتبة أفلح في التعبير عن الجسد الأنثوي وتوظيفه في مادة الكتابة مهما كان الغرض. ولأن المرأة الكاتبة قد تعبر بلسان كل النساء عن جمال الجسد الأنثوي الذي لا يخفى ولا تكاد أية أنثى لا تتباها به حتى في الشارع العام وفي الجلسات المختلفة واللقاءات الحميمية. لكن ذلك لا ينفي أن الرجل تفنن في وصف هذا الجسد بدوره ربما أفضل من المرأة نفسها من موقعه كعاشق.
أما الجسد الخشن، أي الجسد الرجالي، فبقي دائما بعيدا بشكل كبير عن الكتابة المستفيضة. لسبب بسيط هو أنه رغم جماليته الخاصة به يبقى خشنا ولا داعي للكتابة عنه خصوصا بالنسبة لمواضيع الغرام والغزل. على الرغم من توظيفه الجيد في التعبير المسرحي كلغة إضافية للغة العادية. وعلى الرغم من وجود كتابات متميزة في هذا المجال.
القصيدة المطروحة أعلاه، قصيدة الصديق الشاعر محمد بالبيضاء، تتناول الجسد، ليس في بعده الفلسفي والميتافيزيقي كما كتب البعض متجنبين الصواب وغير متمعنين جيدا في النص، وإنما في بعده البسيط، بجعله مكان احتماء وهروب ومستقرا خالصا وصادقا ضد كل أنواع اليأس والألم والقسوة والعزلة والوحدانية التي يمكن أن يتعرض إليها وأن يعاني منها كل فرد في لحظة يأس أو عشق معينة. الجسد في هذه الحالة، كجانب مادي، يحقق التصالح والتلاحم والانسجام مع الذات كجانب معنوي. لأن الشاعر في قصيدته هاته يود الهروب إلى وفي جسده ويود أن يصير بمثابة بيته ومستقره بسبب ما قد يجده فيه من هدوء وسكينة وعطف وحنان ودفئ مفقود في أماكن أخرى مليئة أصلا بكل أشكال العزوف. الشاعر يعبر عن ذلك من خلال كلمات وألفاظ دقيقة وظفها لنفس الغرض مثل: الرماد. الإحتراق. الشهوة العابرة. الخضرة. الزرقة. الغسق. الغيم. الدم. الشوق. السلام. الوطن....هناك تقابل بين المعاني وكلها تتوزع بين الخير والشر الجمال والقبح الفرح والألم الأمل والندم ....
عموما القصيدة تستخدم الجسد للتعبير عن أفراح وأوجاع النفس وعن مبحوث عنه يكون أجمل من كل شيء.
لكن ما يلاحظ هو قلة الصور الشعرية وعدم كثافة اللغة التي لم يتم استغلال الجانب البلاغي فيها بشكل كبير. الأمر الذي جعل النص خفيفا. ربما هذا قصد الكاتب. ولن أخفي أن هذه الطريقة تحقق جمالية أنيقة ومرحة في النص الشعري عموما. لذلك لا بد من القول بأن هذا النص يتوفر على متعة وجمال أدبيين يجدان تفسيرهما في الذكاء الأدبي عند محمد بالبيضاء منذ أن كان يكتب محاولاته وخواطره الأولى.
على العموم النص جيد ويستحق أكثر من قراءة.
ومسيرة موفقة للشاعر المبدع.
مع أغلى تحية.
الأحد فبراير 10, 2008 10:33 pm من طرف محمد اللغافي