محمد اللغافي المدير المؤسس رئيس الجمعية عضو حركة الحواس الخمس الأدبية
عدد الرسائل : 658 العمر : 63 تاريخ التسجيل : 11/04/2007
| موضوع: وجهة في رحاب "دمعة"...للشاعرة مالكة عسال الإثنين أبريل 30, 2007 10:03 pm | |
| وجهة في رحاب "دمعة" قراءة في كتابات الاديبة المغربية مالكة عسال بقلم: رشيد قدوري هل هو الحزن المكتوب على جبين الوجهة منذ البدء...؟!أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد صدفات منثورة في فضاء قاتم... قد لا يستطيع احد أن يعرج عنها أو ينكرها أو يسعى إلى تجميلها بكل ما في الدنيا من ألوان أو مساحيق ...؟! ففي خط الانطلاقة راحت ترصد التيه الشبابي عبر عالمهم المخيالي, وترصد همومهم وهروبهم... حتى غاصت في مستنقعاتهم التي لطخت الجميع بضحالة أزكمت الأنفاس وأتعبت الأنفس... محاولة أن تنتشل من رحمهم الإبحار... وبعدها سحبتها السخرية "النينية" (1) الممزوجة بالقهوة الصباحية المرة والانتفاضة المسائية الحرة ...فرسمت على شفتيها بسمة عنيدة من شر البلية... ثم هرول إليها الشعراء الجمهوريون, بوجدانيتهم التي تسامر لون عيونها... ولم تستطع أن تصدهم, بل رفرفت لهم بأبوابها المترعة على الشكوى ... ولم تكفيها شكوى الإنسان وشكوى النظم , بل احتضنت شكوى اللغة أيضا,من الرداءة ومن الذين يجهزون على ما تبقى من أوعيتها الصحيحة وأوانيها السليمة... ثم تهاطلت عليها لحظة الشنق ماءا باردا, جعلت أطرافها ترتعش من همجية المشهد وهي اللحظة التي أسقطت ما تبقى من أقنعة الشرف ... وتلاشت على صدرها آخر ورقة للكرامة...فأرخت زلة الشانقين حبلا رقيبا... ووعدت ثورة الصامدين فتحا قريبا... وما كادت تجبر خاطرها وتكفكف جرحها حتى أدخلتها إشكالية النظرية والتطبيق في حيرة فلسفية لا مخرج منها , إلا بندائها للبراعم القادمة, لحمل مشعل التغيير عسى أن يخلق التوازن غدا مشرقا تدعمه رغبتهم الناضجة تفكيرا وتطبيقا...وفي لحظة سكون موحش أرعد الماغوط في أرجائها , بقناطيره المقنطرة من الشجن والتمرد والتشرد... ليتحطم في نهاية عصفه على كرسيه المتحرك... و يضع يده اليسرى على خده و يمسك باليمنى آخر قصيدة من عمره... ويجعل الوجهة منفضة و النظرة مسافرة عبر دخانه الأبدي,وهو يعرج إلى مقام الدفء الذي لن يخونه هده المرة...وبعد قراءة الفاتحة على روحه الشاعرية الطيبة عادت ترقب موعدها في الكتابة لتعترضها الأمومة المعطوبة والمكتوية بنار الاختفاء... فبادلتها الحنين نزيفا بمداد الخلود, والترقب أملا معطرا بماء الوفاء وأجهشت في دواخلها ترانيم الوطنية وانكساراتها فاغتسلت بدمعة مالحة وحملت صرختها إلى جبهات النداء لتستعطف الهاربين إلى بطون الحيتان المائية والبشرية وتناشدهم الرجوع... والسماحة... والاعتذار للام والوطن...وحين أتعبها الصراخ والترقب من الأفق المسدود, انكمشت على نفسها دون أن تخطط أو تدري أنها سوف تقض مضجع الذاكرة المسترخية على ضفة القلب الملغوم, فانفجر بين أيديها بيتا بيتا حتى آخر قطرة حب متبقية من عصر اللذة... وهناك ضنت أنها "فضفضت" بما فيه الكفاية لتستريح وتبدأ زمن الحذر وتتخطى أي بؤرة حزن... (2) لكن سمائها تبلدت هدا الأسبوع بغيمة فيها رعود... وبروق... وجروح... ودموع... تربت في أحضان شاعرة وكاتبة من زمن "الذبح من القفا", والتي ألفتها من أبجدية تروضها بفنيها الخاصة وديكوراتها الشاعرية فتنشأ منها الدرر و الصروح التي تؤرخ لحاضرها وتجعل منها ميراثا أدبيا /أبديا يتردد على لسان الأجيال المعاصرة والقادمة, لتواصل الرحلة داخل الحرف الفني الذي تعصر فيه دمها الإنساني الخالد ولو غيبها الزمن بعد عمر إبداعي طويل طبعا. وهكذا تشرح الشاعرة مالكة عسال طقسها الأبجدي بالقول : أوغل في أدغال الأبجدية/أشيد من توتها صرحا لا يفنى/بدررها أوشح طنافس الأيام/لتتدلى من أفقي/نواقيس تجلجل نشيدا/تمطرني بجنات عدن/فأتخير الأشهى/من أتعابي أدفن الأشقى/التهم الليالي ./ألعق سطول الحروف/أرمم الصدوع ببلازما/أعصرها من دم أبجدي في حقائب الهلع(3) هده الأبجدية الخبيرة بهدفها هي التي ستسعف الشاعرة في دفع دينها المستحق لفائدة الجرح العربي والإسلامي, وهو نفس الدين المستحق على كل مثقف أو مناضل بغض النظر عن مكان تواجده أو أسلوبه المهم أن يكون في مستوى المسؤولية الأدبية والتاريخية ومستوى الهدف التحرري النبيل. فكانت الانطلاقة من الاجتياح الاستعماري/ الأمريكي للعراق والدي زاد الجرح الفلسطيني اتساعا و عمقا ونزيفا... فعنونت الشاعرة أولى قصائدها ب " فلسطين " تأكيدا لصوت الحق وتذكيرا بحجم الألم الذي سيجعل عنوان القصيدة الثانية مفتوحا على "جراح " إنسانية متتالية ... ورغم أن زمن الكتابة يبدو وجيزا إلا انه حافل وزاخر جدا بكل أنواع الإبداع من قصص وأشعار تطرب الكبار وكتابة مسرحية وغنائية تطرب الأطفال وتغدي فكرهما ومعرفتهما... وطبعا هدا الانفجار النسائي المتأخر ليس وليدة صدفة أو بين ليلة وضحاها بل هو تراكم لأحاسيس إنسانية ذاتية, يحاصرها الفقر المدقع والحرمان الطفو لي والفرحة المغتصبة بموت الغنج الدي كان يضفيه عليها والدها, بالدرجة الأولى ثم بالدرجة الثانية هو تراكم لتجربة مطلعة على انتاجات مغربية وعربية وحتى عالمية, هرولت ورائها الكاتبة لغرض تكوين أداة صلبة تجعلها تصطاد كلماتها وتطارد أحاسيسها بطريقتها الخاصة والفريدة والعميقة والمستقلة عن باقي التجارب, لترسم الطريق لجدولها الإبداعي الذي سيروي أول ثمرة مكتملة بين دفتي "دمعة" وهدا الديوان الشعري هو تجربة مرتبطة" بكل حزن يجري في العالم" على حد ما فسره القول النثري للمبدعة ومرتبط بهذا الإنسان الذي أصبحت المرارة تنهش أعماقه, وأصبحت حياته منقلبة رأسا على عقب حين يحاصره الخوف...وعليه أصبح يخاف السعادة... حتى الضحكة التي قد تباغته وتخرج ملئ قلبه وشفتيه يطاردها بالقول "اللهم اجعل نهايتها خيرا"... أصبح يخاف الحرمان الذي يتهدد الأزمنة...أصبح يخاف الموت الذي يطلع دون حسبان من الأمكنة... أصبح يخاف اللحظات ويتوجس انفجار الإنسانية التي تبعثر الأصعدة... أصبح يخاف الفقر الذي تنفطر له الأفئدة...ويتواصل الاختراق من الذاتي إلى الجماعي ليجهز على التهميش والقتل المجاني والاغتيال والشنق واللاديموقراطية والاحتلال الغاصب للأرض والهوية والاستبداد والاستعباد... وهده النظرة الكلية توازي-في كثير من المواطن - نظرة الاستاد فوزي الديماسي التونسي التي طاردت مقاطع الديوان من عنوانه الى آخر مقطع فيه, محاولا إدراك كنه هذه الدمعة. فيقول في دراسته النقدية :«... و ديوان " دمعة " للشاعرة المغربية مالكة عسال يوحي منذ العتبة الأولى بمعنيين متناقضين فالدمعة حمّالة وجهين في إطلاقيتها وجها للفرح و آخر للحزن ، و الدمعة بالتالي للحالتين النفسيتين عنوان : هكذا توحي القراءة المبدئية للعنوان الرئيس ، و مع الوقوف عند العناوين الجداول من قبيل " غصة " / " لا ترحلي " رحلوا " / مرثيّة " / " مغتربة " تتبدد السحب و يتخذ مناخ الديوان شكله النهائي ، إذ العناوين مجتمعة توحي تلميحا و تصريحا بأجواء سوداويّة تلفّ الديوان برداء من الصمت المثقل بالشجون و تعضد بذلك صدقية العتبة الأولى أو العنوان الرئيسي ، فالرحيل و الغصة و الرثاء مجلبة للدموع و مدعاة للحزن... معالم الحزن في الديوان اثنان لا ثالث لهما ذاتي و موضوعيّ و لعلّ الأول انعكاس للثاني و مرد هذا الحزن الواقع المتخشب المحيط بالعالم و الأشياء . فكلّ القيم جثث هامدة على حافة الوجود ، فالحب و الطفولة و المدنيّة أشياء مضرجة في النسيان مقابل انبجاس قيم الفر دانية و العدوانية و المنفعية و لعلّ هذا التضارب الصارخ و التناقض المفضوح الفاضح لعب الدور الرئيس في تهشم مواطن الفرح و بذور الارتياح لدى الذات الشاعرة الباحثة عن زمن غير الزمن الفيزيائي الراهن الملطخ بانسداد الأفق و موت الفجر الوليد ، ففي قصيدة " مدينتي" تصور الشاعرة حالة الإحباط الجاثمة على صدر الأفق الغارق في الليل حيث تقول:يقتحم الليل البيوت /و الغرباء /يسكنون الأفق ! /من الإفك /يحبكون المحاور /و في انتشاء /يغتالون الحرية حبنا .و مما يزيد تجذير المقطع في طقوس موغلة في الحزن الناسل من راهن موبوء و مبنيّ على قيم مهترئة مثل قيم الإفك و الاغتيال, الطرق التركيبية لبناء الأسطر الشعرية... » (4)وليست هده الدراسة الوحيدة التي طاردت الديوان بل هناك قراءات محلية مغربية أخرى اقتربت أكثر من سوداوية الشاعرة لجلاء عتمتها وتسليط الضوء على تجربتها منها: قراءة الأستاذ سامي الدقاقي. وقراءة أخرى قام بها الشاعر مصطفى فرحات. لكن الكل وقف مشدوها وسط هده السوداوية وتلمسها عنوانا عنوانا و مقطعا مقطعا...حتى الصحفي نجيب طلال من إذاعة فاس, لم تفلح "بقعة ضوءه" في اغتصاب الغيمة التي تطبق على الجو العام الذي سطرته الشاعرة في كتاباتها وبقي الحوار امتدادا للرؤية الشعرية التشاؤمية, مفتتحا بإلقاء متميز لقصيدة "حلم في خرم الابرة" بصوت الشاعرة, مرورا بالحديث عن دور الكتابة باعتبارها مسألة ضرورية وليست طرفا على مستويين:أولا لتحقيق الذات والوجود . وثانيا هي رسالة الى الاخر لتبليغة بالعمق... بالإشكال... بالمشاعر...و الكتابة صفحة ناطقة حول هدا المبهم و هي صرخة ايضا ضد الواقع المكسر في نفوس كل واحد... ثم استرسلا الحديث عن مراحل تشكيل القصيدة فهناك من القصائد التي ترفرف كاملة على كتف الشاعرة من بدايتها الى نهايتها, و هناك القصيدة التي قد تطول اسبوع او أسبوعين, وهنالك القصيدة التي تمتد الى تلاث أشهر أو أربعة, وهناك القصيدة التي تستعص على الإتيان فتتعبها على حسب ما يثير العمق... وهدا الالم المتواصل اضطر الصحفي إلى الخروج عن البقعة ليطرح سؤاله المفاجئ / الحامل لروح النكتة فجعلها تطلق ضحكة محدودة بزمن الدقائق المتبقية من زمن البرنامج, ودلك حين سألها عن ردة فعلها لو دخلت حماما شعبيا ووجدت نسوة يقرأن ديوانها دمعة. فردت عليه بلباقتها وذكائها -والابتسامة الاستثنائية مرسومة على وجهها- هدا الأمر إن وقع فهو انتصار على شبح الأمية الضاربة في المجتمع. ولكي يزيد من دغدغة مشاعر الشاعرة أردفها بسؤال آخر وهده المرة عن رأيها ما إذا فتحت ثلاجتها ووجدت كتابا هناك ,لتجيبه بعفويتها و طلاقتها ان هدا لن يقع فلاوجود لكتاب من كتب الشاعرة في ثلاجتها كما لاوجود لتفاحة في مكتبتها (5)..ولكن إذا كان حصول هذا الخلط المكاني مدعاة للغرابة والضحك في بيت الأديبة, فانه قد يبدو عاديا في بيوت اخرى حيث انقلب كل شيء في عصر ثقافة" الساندويتش" الذي أصبحت فيها مؤخرة روبي ممددة على المكاتب الخاصة عوض مقدمة ابن خلدون, وأخذت أشرطة نانسي وراغب علامة مكان دواوين الشعر والرواية على رفوف مكتبات الغواية ...ولتبقى هده الدعابة خارج البقعة وخارج الوجهة, للعودة الى مشاريع الكاتبة التي تعد قرائها أنها ستكون بنفس الحزن ونفس التشاؤم. وقد صدق وعدها في قصيدة "جمرة في الماء ملفوفة "والتي ترصد فيها من جديد الجرح الفلسطيني وهو يأكل يعضه وينخر نفسه من الداخل لتصرخ في وجه ابناء الارض المحتلة وترشدهم الى ان يلفوا غضبهم ويغرقوه في صفحة ماء لتنطفئ في لمحة واحدة وينتبهوا الى المهمة الاولى والقضيية الاولى الا وهي التحرر و"بعد لهم اليد الطولى في السياية" .هكدا تهدي قصيدتها الى فلسطين الحبيبة قائلة:أيتها المنكفئة في تَرعة الجراح/ آكلة لحم أبنائها بالتناوب/ أين مرق الأمومة بالندى طافح؟/ الوجوه الباكية/ تتساقط على قدميك/ دِيستْ ملامحها/ وأنت صابرة تمضغين قدرك/ يا أميرة في قلائد الحزن ملفوفة/ خطفَ الغرباء تاجكِ/ واختبئوا وراء الجرح/ يتقاسمون ماء عينيكِ/ تتطاول أيديهم لإمساك خصلتك/ بك نحو التلاشي يُعجلون / يزرعون/ بين أوجاعك الأوبئة/ على عتباتكِ المقدسة/ يفرخون طيورا / ليست من نفس الفصيلة/ من لحم بعضها تُهيئ الولائم /.../ في كبدك يحفرون/ طريقا إلى الحريق/.../ أمي مرضعتي بالتبني/ .../ بين زوابع جامحة وأسوار منتهكة/ تنذبحين بالبلبلة / أيقظي أيقظي/ من نعاسِها الطويل نسورك/ قولي لها/ غيري سرير الخطو/ قولي لها/ اتركي الوزيعة للغد/ حتى/ نستل من فم الذئب قماشنا.../.../ (6) والنظرة الأخيرة هي أن كتابات الشاعرة قد تجاوزت مرحلة الصرخة باللغة الواحدة, وصارت صرخة بلغات أخرى ساهمت فيها أقلام الترجمة. فقصيدة "حنايا الوقت" أصبحت صرخة بنسخة ايطالية على يد الدكتور أسماء غريب, وقصة "عرش بلقيس" أصبحت لها نسخة فرنسية على يد الأديب التونسي جمال الجلاصي وتتوالى الكتابة وتتعدد نسخها ولغتها مع التمني لصاحبتها بالشفاء ودوام الصحة والإبداع ....*****************************الهوامش:(1) نسبة إلى رشيد نيني. (2)التقديم مستوحى من القضايا التي عولجت ضمن وجهات النظر السابقة. (3)قصيدة "أبجدي في حقائب الهلع"مالكةعسال المجلة الإلكترونية ديوان العرب. (4) دراسة فوزي الديماسي لديوان" دمعة" عن مدونة الأستاذة مالكة عسال(5) مجمل الأفكار التي وردت على لسان الشاعرة مالكة عسال في معرض حوارها مع الإذاعي نجيب طلال في برنامج "بقعة ضوء" على أمواج إذاعة فاس (6)قصيدة " جمرة في الماء ملفوفة" نشرت بجريدة الصحراء المغربية | |
|