الحب والوجدان في شعرها
الوجد والوجدان لغة ذاتية قلبية.. تتدفق من دواخل الذات الشاعرة... مرآة تعكس دواخل النفس، وتعبر عن مكنوناتها ، وأحاسيسها وبواطنها...والوجد والوجدان تحقق الشيء في الذهن أو في الذات. وهو كل إحساس أولي باللذة والألم.. ويدل على ضرب من الحالات النفسية، وتأثرها باللذة والألم... وانه محور القيم الأخلاقية المحركة لكل النوازع الإنسانية.والسؤال المطروح، هو: أين تقع تجربة الشاعرة رشيدة فقري في إطار نوازعها الوجدانية؟وعندما نتصفح قصائدها ، نجد خاصية المحبة والوجد مسيطرة تماما.. إذ تبين عن ذات شاعرة رقيقة.. محبة.. هادئة.. مسالمة.. حالمة. .رومانسية. وبالتالي دفقت الشاعرة كل هذه المشاعر في شعرها.. وجعلها تمتاز بنبض من الحب والعشق العفيف...إنه من خلال نزعتي الحب والوجد، نجد فيها امتدادا للشعر العذري العفيف.. الذي لا يتخذ من الجسد ومفاتنه صورة للمكاشفة والتعرية، والفضح الرخيص...إنها تبحث عن القيم الإنسانية، والجمالية...وعن الرؤى المثالية من خلال الإحساس النبيل ، والجميل...فهي ترى في الحب والوجد نافذة للجمال المعتق.. وعندما تطل على هذا الجمال، تحس بالروعة، فيتحول الحب والشوق عندها إلى غناء يشبه الزوبعة.. وشاعرتنا تعي جيدا هذا الحب.. وقيمته الإنسانية والكونية.. لذا تسميه نافذة.. من خلالها تطل على فيض نوراني يغلف ذاتها..ويطهر نفسها.. ويجليها.. ويجعلها تتماهى إلى عشق خالد.. تراه في ك مكان...وعندما نقف إلى هذا الحب والوجد، نجدهما موجهين إلى أشياء معينة: الإنسان/ الآخر، والوطن والمدينة...الجميل أنها تدري أن الحب الذي لا يتحرك في فضاء الفاجعة ليس حبا... ولذا نجد ك قصائدها تصور فضاء ينبثق منه الحب من فاجعة...تقول في قصيدتها(أعنيك بالضبط):اسمك نار على شفتي
نار تتأجج في أعماقي
محياك
أشعة بلورية ، تخترق
كياني
وفي رئتيك
نسائم الغسق الواهج
حبيبتي
حروفك
حبات الدر
وضحكك
كل هذا الملاذ الذي يحملني
إلى السحاب
صمتك.. جلال
غضبك
أعاصير
زمهرير
رضاك
وطن للأغاريد
وطن للزغاريد
ملجأ الفراشات
سمفونيات.. رقص
ذراعاك
تصدان حربا جانحة
وفي مقلتيك
البطل الذي لم يولد
أيها الزاهد
في كل ما حوله
فالشاعرة، في قصيدتها، تبين أشواقها ، وتعلن مواجدها لهذا الإنسان الذي تحول اسمع نارا على شفتيها، كلما نطقت به إلا واشتعل الفؤاد نارا، وتحركت العواطف أشواقا... من فرط حبها ترى محياه قد تحول نسائم، وأشعة، تلفح روحها...ويزداد حبها وحنينها كلما رأت منه صدا، أو تعنتا، أو نكرانا...أو صمتا...فيتحول ذلك أعاصير وزمهرير تأكل صدرها، وتحرق قلبها، وتدمر كبرياءها...وعندما نتمعن في هذا الحب الجياش عند شاعرتنا رشيدة فقري، نجده موجها إلى ثلاثة جهات:1- حبها الموجه إلى الآخر/ الرجل: وذلك كما في قصيدتها (أغار)، والتي تقول فيها:آه... أغار عيك
أغار
من الورد إذا سقيته
ومن الكأس إذا رشفته
أغار
من الثوب
إذا ارتديته
ومن الورق إذا كلمته
فكيف
لا أموت
إذا ما اقتربت من خد امرأة
وقبلته
2- الحب الموجه إلى المدينة: الشاعرة تعيش في مدينة الدار البيضاء، تكن لهذه المدينة كل الحب.. إنها كفضاء تسكن روحها، وتملأ عليها كل مواجدها...ترى فيها روحها... ونفسها، وتحيا لها وفيها... تقول في قصيدة (مدينتي):مدينتي
العالقة في القلب
ها
قد أحاط بك المساء
الممر الهادئ لبحرك
الممر الساكن لشوارعك
الممر الساكن إلى هوائك
ها قد أحاط بك المساء
المنتشي بذكرى الأحبة
بذكرى أشياء هاجرتني
فتقاذفتني الأنواء
والضحك...
حتى البكاء
لا شفاء
من هواك
مدينتي
لا شفاء
إن هذه المدينة تنسج فيها خيوط ذكرياتها، وتؤرخ كل فضاءاتها وأمكنتها، وممراتها وشوارعها لعواطفها.. في كل جنباتها ترى الأحبة، وبالتالي أصبحت هذه المدينة جزءا من حياتها، وجزءا من تاريخها العاطفي...3- الحب الموجه إلى الوطن: كما نجد في قصيدتها (زيف) والتي تقول فيها:يا وطني المعلب
في الزيف
هب لي من لدنك صدقا
وخذ كل عمري
أتوق للطهر في بسمة رضيع
أحن للدفء
أرشفه من صدر أمي
أحلم بيد تمسح .. دمعي
تغسلني
تطهرني
تبسطني
تعيد تشكيلي
تزرعني وردة على وجه القمر
تنثرني عبقا في وجه الريح
تنشر عطري زخات
في أفواه الجياع
للحنان للطيبة
للهمسة الحانية
تضمد بي
جراح المكلومين
المخدوعين
في الحب
إنها تغار على وطنها الذي تكن له كل الحب.. تعشقه حتى النخاع، ولا تريده أن يكون أشول، أو ناقصا... فهي تقدم لهذا الوطن ك عمرها ولكن شريطة أن يكون مثاليا، صادقا ...إنها تحلم في هذا الوطن بيد تمسح دمعها، وتطهر نفسها، وتبسط لها أشواقا، وحنانا...لا تريد أن تنتشر فيه الجراح.. ولا مظاهر البؤس، والجوع والألم...ولذا إذا ما أن الوطن ترك هذا الأنين في صدرها جروحا...تفرح فرحه، وتأسى لبؤسه وألمه...عندما نتمعن في القاموس الموظف في هذا الحب، نجده قاموسا لا يخرج عن المعتاد... وهو قاموس يمتح من الرومانسية التي عرفها الشعر العربي...فنجد صوت نزار متوهجا في قصائدها، ونجد بنيس يقطر من معجمها ودرويش، والشابي...ولذا لم يخرج معجمها عن الحسية التي عرفتها القصيدة العاطفية العربية، فنجد القاموس يتنوع ما بين تعابير وجمل ألفتها الأذن العربية من مثل (نبيذ الروح- أجمع أنثر على قدميك- أصالح- الغيرة- الجراح- غز الدمع- الأحلام- الغرام- الحزن- الانتحاب- الذوبان- الشوق- الكبرياء- السقوط- الذهول) وما إلى ذلك من الألفاظ المعبرة عن حالة النفس وتغيرها...السؤال المطروح، هو لم خصصت الشاعرة رشيدة فقري كل شعرها للحب؟...ولم اهتمت بموضوعة الحب أكثر من أي موضوعة أخرى؟...إنها بتخصيص كل شعرها للحب، وذك مقصود من الشاعرة ، فإنها تريد أن تتجاوز التقسيم الكلاسيكي أو على الأصح المنظور القديم للحب ، وتقسيمه إلى حب عذري، وصريح....إنها تريد أن تبين أن الحب أصبح جنسا أدبيا مستقلا...وهذا يذكرنا باتجاه محمد بنيس في مجموعته الشعرية (كتاب الحب) والذي خصصه لموضوعة الحب...فثمة سبب عميق يكمن في وعي ذات الشاعرة ، حيث ترى خطاب الحب :"هو نتاج تفاعلات رمزية ومتخيلة بين خيال البيان، وخيال العرفان،بين المدرك الحسين والصورة الخيالية.. بين الجسم والروح واللغة..."[1]هكذا نجد أن شعر الشاعرة رشيدة فقري، ترسم الحب،لتبين وعيها باستيهامات اللذة، وعذاب الشوق،وضيق الرؤيا كلما عن الحزن والأسى... [1] - لكراري، (عبد الباسط)،دينامية الخيال،منشورات اتحاد كتاب المغرب،ط1،2004،ص:449