د/عتيق الزيادي شاعر مميز
عدد الرسائل : 54 تاريخ التسجيل : 31/01/2008
| | قراءة في نص /رحلة / ل رشيدة فقري | |
قراءة في قصيدة
|
رحلة
رشيدة فقري
اجرجرقدمي...بحثا عن أعر اشك... لأستجير بها.. من الرمضاء وجهي الطفولي تلفحه الشمس ها أحلامي.. تنقرض بدون وعد مسبق يا أريج عباءته العربية يا سمرة المحيا يا صدرا أضع عليه راسي المتعبة كيما تهزني الريح العشوائية وأغمض عيني واحلم..في قلبك بوطن وطن لا يعرف البؤس استنشق فحولتك في كل الفضاءات استكين لهمسك الدافئ ها أنا..ذا ارمي أثقالي أرضا كي أكون ...حملك طالت رحلتي سيدي طال بحثي بعدد خطوات عمري بعدد...انهزاماتي بحجم.. أحلامي فلا توقظني..أرجوك دعني بين أحضانك مائة سنة ألف سنة إلى الأبد دعني استنشق الحياة ..
| --------------------------------النص كائن أدبي يعيش على الإبداع. الإبداع المشكل، طبعا، من عناصر غذائية أساسية، كالصورة والبلاغة وحسن توظيف الكلمة في المعنى...لضبط توازنه الصحي أولا. لذلك كثيرا ما تجد جنسا أدبيا يتحرك أو يجمد أو يعدو في محيطه النصي، الذي كلما حسن الابداع كلما صار أكثر رحابة واتساعا . الحركة هنا متعددة حسب رؤية الكاتب للنمط والشكل والكيفية التي يجب أن تكون عليها هي.علما بأن حركية النص هي مجرد شعور المتلقي بالمكون الأدبي حيا، وفي سفره الذهني مرفوقا بكامل المتعة التي تتحكم فيها نسبة الجودة. قصيدة" رحلة" للشاعرة رشيدة فقري، وكما يدل على ذلك العنوان، بمثابة نقطة انطلاقة، ومدخل أساسي للنص. تبشر بوجود حركة ما في النص، هي أساس سفر ذهني ما، ستكشف باقي محطات هيكل النص عن الغرض منه ووسائله وجماله أو محنه، بكامل الحركة التي قد راهن النص على دوامها حتى آخر حرف منه، وإلا لن يكون هناك أي معنى للعنوان أو للسفر في حد نصه، وما ينتظره المخاطب طبعا هو لمس هواء السفر فعلا. القصيدة تبدأ بكلمة " أجرجر" فيتحقق عندك المبحوث عنه. هو بداية السفر. تم تلمس منذ البداية نوعية السفر. هذا الذي تتصدره كلمة أجرر. فلا شك في أنه سيكون ثقيلا ومتعبا وصعبا ومؤلما، تجد فيه الآه والعرق والتجهم عوض ما تحققه الرحلة عادة من فرح وانشراح ومتعة. إذا لا يبدأ النص عاديا. إذن هناك مشكلة اجتماعية وذاتية هي التي فجرت رغبة الكتابة عند الكاتب(ة) الذي قد يجسد ذواتا افتراضية وقد يروي حكاية الآخر بصيغة المتكلم. تجرجر قدمها بحثا عن أعراشه لتستجير بها من الرمضاء. الحركة هنا ثقيلة بقدم يتجرجر والطقس مشتعل ومخيف. وجهها الطفولي تلفحه الشمس. الألم سيد المشهد منذ البداية. ولا داعي لانتظار تغيير مسار المعنى نحو العكس. الرحلة سفر بحث عن هناء وسعادة مفقودة. عن حماية وظل وسقف وعز. ربما لم يعد موجودا. يمثله في النص " العرش". جمع عروش وأعراش. حماية من شدة الحر وضد الأرض القاحلة. تمثلها في النص كلمة "الرمضاء". المصطلحات المستعملة نفسها تدل على صعوبة الرحلة ومحنتها لما تبدأ بالتعب والعياء النفسي والتردد للوصول إلى ظل من الحر ساهمت فيه الشمس بلفح وجه طفولي " وجهي الطفولي تلفحه الشمس" كتعبير عن قساوة الطبيعة من جهة ثانية ضد وجه بريء. القساوة النفسية والطبيعية وكثرة الهموم والمتاعب والمحن والمعاناة جعلت النص يبدأ تقيلا ومثقلا في المعنى والألفاظ، وأنت تتابع الرحلة النصية تتنتظر ميلا مفاجئا لوجهة الموسيقى الشعرية والمعنى .لكن للأسف تستمر القصيدة على نفس الإيقاع القاتم. لكن بإدخال كلمات مشرقة على مهل ليصبح في الرحلة بعض ضوء لا ندري مغزاه بعد. الكلمة الجديدة هنا هي الأمل التي تأخذك فجأة من داخل مسافة من المحن "ها أحلامي" فتصير القصيدة موشومة بشبه سهم برق مفاجئ في ليلة حالكة. مثل هذه التقنية لها أهمية قصوى داخل النص الأدبي لما يحاول الكاتب الإنتقال بك كل حين من طقس إلى طقس آخر. عبر اللغة أولا، ويأتي المعنى بعدها. لأن اللغة هي ذلك الإحساس العميق بالوخز في جسم النص. ولو أن كلمة" أحلامي" أتت في سياق اللاأمل لأنها ـ تنقرض ـ وهنا مزج جميل بين مرحلة الرحلة السابقة وشوط سفر إضافي في ظل طقس قد يكون مختلفا-" ها أحلامي/ تنقرض بدون وعد مسبق / يا أريج عباءته العربية/ يا صدرا أضع عليه رأسي التعبة..." عند هذا الحد يبدأ الخطاب الضمني نحو"أنت" ـ من " أنا" أي الأنا والأنت التي هي صلب السفر المتعب منذ البداية والتي أخذت تكشف عن سعة النص واتجاهه ومضمونه الأكثر قربا من الوضوح والتقزيم في المعنى عوض عمومية استهلاله. وهذا انتقال ثالث في النص إلى المستوى المباشر، المحبذ في القصيدة عموما، لألا يبقى الغموض سيدها دائما. في هذه المرحلة بالذات يتحول الخطاب\السفر نحو رجل ستكتمل ملامح دوره وصورته بالتدريج. هذا التحول النصي نفسه جاء تدريجيا ليضمن جمالا آخر للقصيدة. المخاطب، الذي أخذ يدخل القصيدة تدريجيا، يبدو، ربما، في هيأة رجل عربي "عباءته العربية" " سمرة المحيا" أصيل بكل معنى الفحولة العربية تاريخيا، حيث الشهامة والقوة والعزة والغيرة والحماية...لتتمكن أنثى من وضع رأسها المتعبة على صدره، بكل أمن وأمان، طلبا للراحة والهدوء، والسفر الآخر، طلبا للحلم في قلبه بوطن. الرجل\الوطن، حيث الإستقرار، كلاهما غائب ومبحوث عنه، في نفس الآن، من طرف أنثى متعبة، تود استنشاق فحولة، واستكانة لهمس خشن، متنازلة عن كل شيء، لتكون أحد أشيائه. في محطة النص الرابعة هاته، التي تبدأ ب "ها أنا ذا أرمى أثقالي"... تصير للنص وثيرة سريعة كمن كان في حلم واقترب من نهايته التي غالبا ما يستيقظ فيها. كمن أطل على محطة الوصول فصار وقته حينها سريعا. كمن وصل نشوة أخيرة. لأن المفردات المختصرة والمحملة بالمعاني تتابعت دفعة واحدة، وبوثيرة سريعة، دون ميل أو تفسير أو فلتة، ربما لأن الكاتب في مرحلة نصية معينة، تتعبه الكتابة نفسها، حينها بدل البحث عن الجمال الشعري، يضع معجما لا تهم جماليته، إلا ما كان بالصدفة أو بالسليقة أو بالسياق "طالت رحلتي سيدي\ طال بحثي\....\بعدد انهزاماتي\ بعدد أحلامي..." ثم يتوقف النص برهة عند " فلا توقظني أرجوك " ليبدأ التمهل مرة أخرى، لأنها مرحلة النزول من النص، أي المحطة الأخيرة، حيث تخف سرعة التنفس وسرعة المداد، ويحاول الكاتب حينها التلذذ بطريقة الختم وكيفيتها وابداعيتها، حينها تجد تمددا للمعنى وتكرارا وتريثا قبل قتل النص نهائيا ـ دعنى بين أحضانك\ مائة سنة\ ألف سنة\ إلى الأبد\ دعنى أستنشق الحياة ـ النص عبارة عن سفر، عبر سفر، في اللغة والمعاني والألفاظ. النص الذي جسد حركة خلال أربع مراحل تقريبا. الأولى من البداية إلى السطر5 \. الثانية من السطر6 إلى السطر 14/. الثالثة من السطر 15 إلى 21/. والرابعة من 22 إلى الأخير. - الأولى كانت تقيلة بسبب الهم النفسي للذات باحثة عن فرج بديل يحقق السعادة. - الثانية تضيف ضوء ومخاطبا في النص لكن في غياب حركة. - الثالثة توضح اتجاه النص وخطابه مع إدخال عنصر الوطن والقلب خصوصا في غياب حركة. - الرابعة تواصل خطاب الأنا نحو الأنت بشكل أوضح وبمباشرة أكثر لكن في إطار حركة نصية سريعة لغويا ومفهوميا. المراحل الأربع تلك تم ترتيبها في إطار هيكلي جميل. كأي تعبير فني ينقلك من مقام إلى مقام دون إنزال المتعة عن مستواها الممتاز. والممتع أكثر، طيلة المرحل الأربع تلك ،هو الإنتقال المفاجئ بين أصناف المعاني والتعابير عبر اللغة بإدخال مفاهيم ومعاني جديدة تدريجيا عند كل مرحلة، مما يجعل النص خفيفا ومرحا. وتلك تقنية تعكس الوعي بفنية الكتابة والتي أتت مرتبة بشكل لائق منذ الغنوان" رحلة" إلى آخر كلمة " الحياة ". فالرحلة \ النص هي أصلا من أجل الحياة. إذ يبدو المعني بالأمر هنا عاشقا للحياة جدا ومتمتعا بها، لذلك يبدي في النص اعلان استغاثة كي لن تموت فيه الحياة أبدا، وذلك بالتغلب على تلك المحن العاطفية والنفسية بالعثور على رجل/ وطن مفقود أو مفتقد بالنسبة لكل أنثى تحلم بالهناء والسعادة والعروبة... والحياة المعجم المعتمد في قصيدة" رحلة" يضم بعض المفردات التي تبدو شبه قديمة وهي ( أعراش. رمضاء. لفح. انقراض). وذلك داخل لغة التعب واليأس والعناء: ( أجرجر، أستجير، التعب، عشوائيه، ريح، بؤس، أثقال انهزام)...ولغة الأمل المزروعة في النص بحذر طفولي، أحلام، أريج، حلم، استكانة، همس دافئ، استنشاق الحياة..) لذلك يمكن القول بأن قاموس النص حافظ على توازن بين ثلاث مستويات للتعبير والمشاعر هي: الغضب والملل والأمل. علما بما كان لهذا التنويع من جمال شعري حقيقي. فنيا هناك ترتيب مناسب للأفكار والمعاني والمفردات بطريقة سهلة ومتسلسلة وانسيابية وبالتدريج اللين في الانتقال اللغوي والمكاني طيلة مسافة عبور النص. كل ذلك مهم وجميل. لكن لا بد من التنبيه إلى: - طغيان الصيغ المباشرة على معظم النص - وإلى تضييع الشعرية مرارا - وإلى توظيف جمل عادية وخالية من التعبير الشعري لتبقى مجرد قول - وإلى ارتباك طرق التعبير عن الأفكار - وإلى غياب كبير للصورة الشعرية... لكن رغم كل ذلك فلا بد من أن للنص مستواه الشعري الأكثر.
بالمناسبة نتمنى للأخت رشيدة فقري المزيد من الصحة والعافية وإلى لقاء شعري آخر بحول الله د/عتيق الزيادي 19/05/2008 | |
|
السبت يونيو 07, 2008 2:47 pm من طرف جمال السيد