قمح كنعان
وطني عاريا يجمعُ بقيةَ الأجزاء
يلمُّ العظام من مشهدٍ لمشهدٍ في بؤرة العراء
كهجرةِ الحجيجِ غاصَ في البياض, يُعِدُّ القبورَ منْ شاهدٍ ومن ماءِ
يُرتَّبُ الخرابَ بحسبِ ما تيسّر , في موسمِ الأكفان
يندبُ من تشيّع لشاهدٍ , ويندبُ ما كانَ لهُ منَ الأبناء
يندبُ حظّهُ العاثرَ من تراكم الصحراء
جفافٌ عارِمٌ تشققت عليهِ زرقةُ السماء :
ما لإخوتي, لإخوتي وما للأعداء, للأعداء
كمْ تلعثمتِ من عطشٍ ومن تعبٍ يا ..ياء النداء !
كمْ بكيتِ بجانب البئرِ لتعلمي , أنْ لا عواءَ للذئابِ
تبددت صيِحاتهم من تكاثرِ الحشرات ,
من رؤانا حينَ تاهت في الضبابِ
ووحدها ,وحدها
, كلماتنا حول البئر من أخبرت يوسفاً آخرَ بالنزولِ إلى الماءِ
وحدها كلماتنا نصّاً صريحاً لمسرحِ المأساة ,
تصعدُ الجَوْقةُ بالنشيد :
كم كنا نقطف الأزهارَ كيفما نشاءُ!
نقرأ الشعرَ كيفما نشاءُ !
كم كنّا نفخر بالجراحِ والضحايا
حين كنّا نفرغُ الرصاصَ من مسدسنا في حضرةِ الشهداءِ
في حضرةِ من رحلوا لا لشيءٍ إلا أنّ الطبيعةَ تغري بالرحيل َ
وتصعدُ الجَوْقةُ بالنشيدِ :
كان الفدائيُّ يرحلُ كي يعودَ من جديد
كان يُطيرُ الحمامَ بينَ المآذنِ والكنائسِ ,أعلى من سورِ الحديد
كان يُستشهَدُ على حدود المكان
سردابنا الخفيُّ , نحو البعيد
كانَ كما كان
قبل اختلافنا على أهلةِ العيد
ويصعدُ النشيد :
ربما آن
لأبي حنيفةَ النعمان
أن تُمَدّد القدمان
بملءِ ما فيهِ
من ذهولِ إنسان
مُمَدَّداً يبقيهِ
حتى آخرِ الزمان
ويصعدُ النشيد:
ربما آن.....
ولكنّا نكسرُ إيقاع القصيدة
نصحو فجأةً, على مخزونِ أحلامنا
أحلامَ اليمامْ
كجِرارِ النبيذِ في القبوِ
مُدخراتِنا من قمحِ كنعانَ
عاماً بعدِ عامْ
صبرا قبلَ عامٍ
غزة بعدَ عام
ونضيعُ في الزحام
عيون قانا/ طروادة/قرطاجة/ستلنغراد/بغداد/خليج الخنازير/دير ياسين/ بيزنطا/ كفرَ قاسمْ /نغازاكي/ تلُّ الزعترِ/هيروشيما/شتيلا/هانوي/كردستان/كابولٌ/وكربلاء /عكا/عينُ الجملِ /جزائرٌ/وشام
ونضيعُ في الزحام.
نازيّاً يحرقُ أطفالَ أعدائنا
وعدواً يدّعي حكمةَ الوصايا .
أهلنا الطيبونِ في المرايا
تحذلقُ الجنودِ على الصبايا
أُمّاً لسبعةِ أطفالٍ يتامى
أخاً أسيراً وآخرَ ينتظرُ أوامرَ الفصيل ً
بنتانٍ تلعبان ,
شهيدان آخران
ورضيعاً جاء بهِ المخاضُ تحتَ النخيلْ
تشاركُ في الجنائزِ , وحُزنِ الثكالى
أرملةٌ لجنديٍّ قتيل
جنوداً يأنفون التحيةَ والسلاما
وجيلاً يُجبرُ على الرحيل.
وبعدَ قليل
نتعلمُ صعودَ الجبالِ بالميراسِ
نصعدُ/نتعثرُ/تخطيءُ/نسقطُ/نتدحرجُ/نصعدُ ثانيةً
ونصعدُ من جديد
نرسمُ خارطةَ الوقتِ منذُ كنعانَ الأول وحتى زيتونةٍ في الجليل
وتسألُ خرائطُ الوقت في صعودنا الكبير
نسامحُ أعداءنا ؟
- ربما قليلاً
كالطوفانِ يغسلُ الموتى
يعيدُ رسمَ الجبالِ والأنهارِ
ويعيدُ, شكلَ بيتنا الصغير
ربما قليلاً
كما انتصرَ النبي الأخير
((أذهبوا فأنتمَ الطلقاء))
أغسلوا أيديكم من دمنا كالطوفانِ
بكلِّ ما فيه منَ الأحبابِ
وانتبهوا من عواءِ الغابةِ,
وبومِ الخراب
إنَّ دمنا يستدرجنا على مهَلٍ كالذئابِ
و يلقي بشّباكِ, بعيداً في الغياب
يصطادنا في كلِّ مرةٍ عندَ ساعةِ الأصيلْ
كنّا هنا, قبلَ القليلٍ وربما هناكَ بعدَ القليلْ
نحملقُ في دورنا البطوليِّ , ونلتحفُ الصهيلْ
نستكشفُ أدواتنا بذاتنا
ونعلمُ كيفَ يعدو الخيلُ الأصيلْ
كيفَ نرفو عظامنا بالطبِّ العربيِّ
كيفَ نسخرُ من نزلاتِ البردِ بالعشبِ البريِّ
نعلمُ كيفَ نصوغُ سحرَ المستحيلْ
وبعدُ :
نعلمُ لماذا يجرحنا الهديلْ
لماذا نمرضُ من حزنِ الفراشة
لماذا, يرافقنا الجسدُ الهزيلْ؟
يا قمحَ كنعانَ لا تسمِّنا أبطالاُ أكثرَ مما نحنُ فيهْ
يئسنا من تقادمِ الطريقِ , طريقنا الطويلْ
من موتٍ يمازحنا يئسنا
من رتابةِ الظهيرة
ومن نسائنا في السوادِ والحِداد
يئسنا من جثثِ الأحبةِ على الشاشاتِ وأغلفة المجلاّت
منّا , من أصدِقائنا و أعدائنا
حين اتفق ثلاثتنا على دمنا المقدس .
يا قمحَ كنعانَ , لا تبعثرنا أكثرَ كالهواءْ
لا تزرعِ البذور في دمنا أكثرَ مما نطيقُ
لا تجعل الغلالَ أعلى منَ السماء
تقرأُ يوسفاً آخر,أيضاً :-
(سبعٌ سِمانٌ يأكلهنَّ سبعٌ عجاف)
(سبعٌ من أخضرٍ وأُخَرٌ من جفاف)
يا قمحَ كنعانَ , لا صدى الآنَ لياءِ النداءْ
لا صدى إلا لكافِ خبزنا
فأعطنا خبزنا الكفاف
لا تقرأ فاتحةَ الكتابِ على الموتى
ولا, لا تصعد بنا كالبدايةِ في السماءِ/الدخان
لا تعلقنا نجمةً للشمالِ ,و بوصلةً للهباء
يا قمحَ كنعانَ , وأنت مازلتَ كما أنتَ
من ذهبٍ وماءْ
من وجهنا القمحيِ والرداء
وطني عارياً , يا قمحُ
من خالصِ النورِ , يذوبُ في العطاء
وطني عارياً ,يذوبُ في العراءِ
وطني...عارياً
يذوبُ.. في العطاء.
هيثم الريماوي