للإستماع إضغط هنا:
https://www.youtube.com/watch?v=Lnd3zyqx_8E
لا أحد
لا وقت للبكاء
ألملم أوراقي على عجلٍ , وأدعي رباطة الجأش
كطفلٍ أدبته, تقاليد العائلة :
عليك أن تصحو و تغفو باكراً , كي توفر من زيت السراج
عليك أن تُرتبَ ما بعثره الهواءُ في الفناء
وعليكَ أيضاً ,أن لا تهذي عن مخاوفٍ ساذجة
عليك أن لا تسأل ما يُحرجُ الآباء
كلماذا وُلدتُ , و ماذا فعلت القابلة !
لماذا وجهُ جارتنا قبيحٌ !
لماذا يُتأتئ زوجها أستاذ التاريخ!
أو لماذا تغرينا العاصمة , أن نوفر في الماء والخبز والكهرباء!
لا وقت للبكاء
الليل سريعاً يأتي ويذهب كل يومٍ
والصبي لم ينتبه أن قِرطَ الصبيةِ أحمرٌ بلون الشفاه
رغم محاولاتها اليائسة
بين التفاتٍ وانحناء
لستُ سوى ثرثارٍ يدعي
أن القافية , تشبه د قة الساعة
وأن المنفى يشبه الوطن , لكنَّ أهلي لا يخرجون من النشيد
والوطن لا يشبه المنفى لأن الشاعر يدخل القصيدَ حافياً
يُغلّقُ عليه أبواب الطبيعة ويرحل في الهدوء
يجمع الندى كالصيدِ الوفيرِ عند السبات
عن سيفِ (هولاكو) وسقف المدينة
مصقولان للقطع , من الفولاذ البارد وأسوارٍ شائكة
تفصل الإسفلت بأضواءه الساحره , عن أزقةٍ عتيقة
و دون تفاوضٍ بين الضحيةِ والقاتلِ الجريءِ
تًبقي أضواء السماء ,مشاعاً للجميع
تلك أوامر الله لا يتعدى عليها البشر , أو (التلسكوباتِ ) الحديثة
كاتفاقنا – مثلاً- بلا اتفاقٍ على جهل الفراش , أو نشوة الكسل والتمني
أداعب ليمونةً في المساء
ربما أبكي من الحنين , في الزمنِ السريعِ
حنيني للشتاء
ربما غيمةٌ من بلادي تنتقيني
كي أرشح قصائدَ , تحكي عن الماءِ والنساء
عن الإسرافِ في تنفس الهواء
عن شجارٍ بيني وبين زوجتي حول شبرٍ من الأرض ,
ما زال تحت الإحتلال
هل سنزرعُ عليه فاكهةً في غير موسمها
أو نذرّي التراب فيه لقحاً لقهوةٍ صباحية تنتقي الشرفات؟!
عن العناء , في إفراد ساعة للبكاء
لا وقت للبكاء
نُجهز أنفسنا وأولادنا باكراً للرحيل
لنأخذ ماكناً لائقاً , فوق صخرةٍ مطلّةٍ
على قارعة الجيل
والطابور الطويل , الطويل
منذ أسمائنا في الإعلان الدعائي
وحتى تلوث الفضاء , بدعوى إرهابٍ في تناغم الهديل
لا مكان لداليةٍ بجانب الجسورِ المعلّقة
لا زيتونةً على الإسفلتِ النظيف
كي نستريحَ ونشرب الشاي
لا بحر –كي نغرق تماماً-, يطلّ على الميناء الكبير
ولا شبراً من الأرض , أيضاً لنطيلَ خصامنا الأخير
لا هدير
حتى الطائرات توقفت عن التحليقِ المسلّي
بين التأرجح والبطولة,
لا أحد ,
لا أحد
في الزحام عند الرحيل
مدينتنا نظيفةٌ تماماً من الناسِ والوقتِ الجميل
تضيق الطرقاتُ على العشّاقِ , و تتسع عند جُرف الهاوية
نتماثلُ , نتشابهُ , نتحاورُ , نختلفُ , ننتقدُ, نتقدُ, نضجُّ , نهجُّ
ننزلقُ , ونسقطُ أجمعين
يأخذني البعيدُ
وزوجتي وأطفالي
لا نعلم ُ ألى أين ؟!
أو لماذا نهرولُ مسرعين؟!
نُضيّع أسماءنا وانتباهنا خلف البنايات العالية
والزجاجِ الضبابيَّ كالمريا
وصُرّةِ الطعام
نزاحم المكان على المكان
على علب السردينِ والطحين
نُضيّع أستاذ التاريخِ الكبيرِ
وأتفرّس:
ما زال يتأتئ قراءة العنوان
وأضحك جلسةً ,
كي لا يراني الصغارُ أو شرطي المرور,
أقفز نحو حدسي مبتسماً
حتى لا يخذلني الرماد
أو فينيقٌ يائسٌ
يحسبن كجدتي
من ظلم العباد
سأرحل عن مخاصمتي قليلاً
سأذكر بأني كنتُ طفلاً صغيراً ذاتَ يومٍ
وكنت أرى الناس من خلفِ الزجاج
بلون الزجاج
أزرقَ بلون البحر
أحمرَ , مشمشياً , وقرمزيّاً
بلون أغلفةِ السكاكر
هديةً للصبية الشقية
بنت جارتنا القبيحة,
شفّافاً للطيبين
بلونِ قلبي الصغير حين كان
كان لا يعرف , يظنّ , ويتظاهرُ
فيخفي الحقيقة بالحقيقة
كان يرى الناس بكامل ألوانهم
كما الناس
وكما دفتر الرسمِ الأنيق
من كثرةِ البياض
ولا يطيل التفرّس
عن معنى ابتسامة الموناليزا مثلاً
هي ابتسامةٌ فقط, يقولُ
ويخفي بخباثةِ الشقيّ
جهلَ العارفين
كان يستمتع بصيدِ الذباب
بالضجرِ والكسلِ
وكثرةِ الأسئلة المحرمة
كان يأتيني كلّ يومٍ في المنام
يضع الحلوى والذبابَ والذكريات
على طرفِ السريرِ
وحمّى الكلام
صار يهجرني كلّ يومِ في المنام
ليقول لي :
كم ضيعتني !
كم ضيعتني!
مثل تاريخِ أستاذنا الكبير
بعنوانه وسط الزحام
كم ضيعتني
لتسأل عما يلزمُ فقط
وتخفي دهشةَ السؤالِ عن السؤال
ويجفل الخيال
كما تجفل قطةٌ , في باحةِ الدار
من شدةِ الحذر
كم ضيعتني
حين قلتَ للمرايا:
دثريني , دثريني
كي لا يراني الناس كما أرني , عاريا
بلا زجاج
كي تراني النساء
بحلةِ نرجسٍ باذخة
من المحال إلى المحال
أسترق النظر على عاشقيْنِ في الزحام
ينحنيان, من ثقل العشق على الأكتاف
مكدساً كالأثاثِ القديمِ
ينحنيانِ مخافةً من تهمةِ الهديل
يتبعثرانِ ,غناءً من نشاز
كيفما اتفق
لا فراغ للأحلامِ الصغيرة
ولا حفنةً من التراب, لعشبٍ يدعي الأبد
يميلان يركضان نحو السراب ,
كأنه الوردة ُ الحمراء
والهديةً العذراء ,
عجلات العارباتِ والقافلة
لرحالةٍ غجريٍ قديم
يعشق أسبانيا وتغريه غرناطة , بالجريمة:
كالموتِ راقصاً
أو موشحاً أندلسياً , عند الغناءِ للحبيبة
سحر الشرقِ , على أوتار جيتارٍ يغزو المدينة
يَثني الغجريُّ بين الأوتارِ واليدينٍ حدود المعجرة
ويعزف أغاني الغجر
تلك أسطورة الماء المهملة ,
لا تهمُّ أيَّ شيء :
ما الفرق بين المدينة الكبيرةِ والمرأةِ بكيدها والبلد ؟!
في الزحامِ لا يطل أحدٌ على أحد
مشيئة الله
جدوى القيامةِ , وساعةِ الحشر
((ووالدٍ وما ولد))
في الزحام
تحسس وجهك والأعضاء , وكن سعيداً كثيراً
في الزحامِ لا أحد
تحسس وجهك َ
والأعضاء كلها , رويداً رويداً
لا أحدْ
في الزحام
طوبى لمن وجد.
هيثم الريماوي