أسماء محمد إدارة عامة
عدد الرسائل : 2070 تاريخ التسجيل : 23/01/2008
| | نص مداخلة مصطفى لغتيري في أمسية محترف الابداع | |
لقصيدة العربية بين البعد الشفوي و الكتابي من خلال" ابتهالات في العشق" للشاعر نورالدين بلكودري. نص المداخلى التي قدمها الأستاذ مصطفى لغتيري في أمسية محترف الابداع لجامعة المبدعين المغاربة يوم 15 اكتوبر 2011 مصطفى لغتيري لا جدال في أن القصيدة العربية مرت بمراحل متعددة و دالة ، انطلاقا من نصوصها البكر ، التي تفاعلت مع محيطها بشكل كلي ، فجاءت صدى لإيقاعاته ،إذ نقلت ما يزخر به من حيوات ، تدب في قفار الصحراء العربية المترامية الأطراف ، حتى عدت- بحق- ديوان العرب، و مرورا بالتحولات العميقة التي طالتها خلال مسيرتها الطويلة ، و التي تجلت في التمرد على الأشكال القديمة ، من خلال اجتراح قوالب جديدة تتماشى مع طبيعة العصر الذي تتنفس هواءه القصيدة ،محفزة بالمثاقفة حينا و تحولات الواقع حينا آخر ، و وصولا إلى ما تعرفه القصيدة اليوم من ثورة عميقة مست ماهيتها و أسسها و أشكالها ، وخصوصا انتقالها من المنطق الشفوي ، الذي أسرها طويلا، إلى المنطق الكتابي، الذي يحاول الزج بها في عوالمه الأثيرة ..و لا أكاد أضيف شيئا إذا اعتبرت قصيدة النثر من أفضل تجليات هذا التحول العميق ، الذي يطال القصيدة العربية. يترتب على ما تقدم أن القصيدة العربية في لحظتها الراهنة ملزمة – إن أرادت أن تعانق تاريخيتها و تلتحم بها- أن تقتحم ، بلا تردد، البعد الكتابي في العملية الإبداعية الشعرية ، والتخلص من هيمنة البعد الشفوي. - لكن كيف يتأتى لها ذلك ؟ - و هل كل الشعراء مؤهلون لكتابة هذا النوع من القصائد؟ و ما موقع ديوان "ابتهالات في العشق " من هذا الطرح؟- تتجلى الشفاهية في القصيدة أكثر ما تتجلى في الإيقاع الخارجي ، لأنه إيقاع سماعي يهدف إلى التأثير على الأذن و تشنيفها بموسيقى الكلمات، التي تكون في كثير من الأحيان مقصودة لذاتها. على عكس ذلك تلجأ القصيدة المعاصرة ، و أخص بالذكر تلك التي يكتبها الشعراء الشباب إلى التمرد على الإيقاع الخارجي بما يعني التفعيلة و البحر ، لتخلق لنفسها إيقاعا جديدا يتأسس على منطق الصورة الشعرية ، التي تتراص جنبا إلى جنب لتفجر في ذات القارئ أحاسيس و أفكار و تأملات ، تجعله يستغرق في حالة نفسية و عقلية و وجدانية معينة. و إذا كان الشاعر نورالدين بلكودري قد أهمل الإيقاع الخارجي بنوعيه، أعني التفعيلة و البحر ، فقد حافظت قصائده على الإيقاع الداخلي الذي يتولد من خلال استثمار بعض التقنيات البلاغية كالجناس مثلا ، غير أن توظيف الشاعر للصورة الشعرية كبديل عن الإيقاع ، ظل محتشما لا يدفع بها إلى حدودها القصوى ، بل ظلت في عمقها متأثرة و استمرارا للتعاطي الرومانسي معها، تذكرنا بصور الشعراء الرومانسيين ، و لعل طبيعة الثيمة المهيمنة على الديوان " تيمة العشق " فرضت على الشاعر هذا النوع من التعاطي يقول الشاعر: أيها الحب الجريح خذ كفنا توشح به جرحك غائر يطرق باب الموت. و يقول في قصيدة "المنسي" : وجعي يكبر يقتات مني يتفنن في رسم الخرائط فوق خاصرتي. ومن تجليات البعد الكتابي في القصيدة المعاصرة استثمارها للمعطى الكليغرافي و البعد البصري للورقة التي تحتضن القصيدة ، لذا نجد كثيرا من الشعراء يلتجئون إلى كتابة قصائدهم بخط أيديهم ، ليمنحوا القصيدة بعدا جماليا خاصا ، كما يحرصون على توزيع القصيدة خطيا على امتداد الورقة ، يمينا و شمالا ، أعلى و أسفل ، و في الزوايا ، مبررين ذلك بتمرير رسالة للقارئ ، مفادها أن القصيدة كتبت لتقرأ بصريا لا لتلقى شفويا ، أي أنها ليست للإلقاء ، الذي اعتمدت عليه كثيرا القصيدة التقليدية و سارت على نفس المنوال القصيدة الرومانسية و القصيدة الحديثة في بداياتها الأولى مع الرواد على الخصوص ، و لا زال ذلك ساريا لدى الكثير من الشعراء. في ديوان "ابتهالات العشق " لنورالدين بلكودري نلمس هذا التوجه في التعاطي مع القصيدة و إن لم يكن ذلك نهجا قارا ،و متبعا من طرف الشاعر في نسج كل قصائده ، بل استأثرت به قصائد دون أخرى ، أذكر منها قصيدة " أمير العشاق " و قصيدة "أتحداك " و قصيدة "توحد". و هروبا من شبح الغنائية الذي ران على القصيدة العربية منذ القدم، و الذي يعبر عن نفسه إبداعيا بهيمنة أشجان الذات و لواعجها و إهمال الواقع ، و سيادة الصوت الوحيد على القصيدة من بدايتها حتى نهايتها ، و يكون في الغالب صوت الأنا ، أنا الشاعر ، مع ما يترتب على ذلك من بوح ، و هيمنة الرؤيا الجوانية ، التي تؤدي بالقصيدة إلى أن تضرب صفحا عن غنى الواقع و تفاصيله ، و إغفال وجهات نظر أخرى ، بلا شك تغني القصيدة في حال توفرها..أقول هروبا من هذا الشبح المخيف الذي يعده الكثيرون نقطة ضعف القصيد العربية ، يلتجئ الشعراء المعاصرون أو قلة منهم إلى بعض التقنيات التي تتيح للقصيدة التوفر على تعدد الأصوات ، و خلق نوع من الدرامية ، و تكريس البعد الكتابي للشعر ..و من بين هذه التقنيات "سردنة " الشعر ، باستثمار المعطى الحكائي. و إن كان المتلقي للديوان الذي بين أيدينا سيلاحظ – لا محالة- طغيان النفس الغنائي ، انسجاما مع طبيعة الثيمات العاطفية المهيمنة على القصائد ، فإن بعض النصوص حاولت توظيف النفس الحكائي ، و عن ظل ذلك في حدوده الدنيا ، جاء في قصيدة عبور : رحلت حاملة معك الضحكات في سكون الليل تسكنين تنتزعين ذكريات أمسنا تتطلعين إلى المساء تبحثين عن وميضي. و في قصيدة أخرى : على صهوة الفرس الأزرق تركبين ترمين تحية و باقة ورد و ياسمين أشق الطريق إليك كلي أمل ..كلي جنون و من بين التقنيات التي تساهم في تأجيج النفس الدرامي داخل القصيدة، بما يعني تعدد الأصوات و صراع الأضداد ، نجد الحوار المسرحي الذي يشي في أبسط تجلياته بوجود طرفين ، لكل منهما وجهة نظره و رؤياه و أحاسيسه و لغته ، مما يجعل من الشاعر "بناء" يبني المواقف المتخيله و يساهم في خلقها خلقا إبداعيا جميلا ، و قد التجأ شاعرنا في بعض قصائده إلى هذه التقنية ، و إن كانت مغلفة بجو رومانسي شفيف ، ومن ذلك ما جاء في قصيدة كنت ذات يوم" : تقولين : يا شاعري كم أحبك أبعث إليك ألحاني الحزينة. من مدينتي الجريحة و أنا أقرأ رسالة وداع على قبر حبك العاري. و في ختام هذه القراءة العاشقة لديوان "ابتهالات في العشق " للشاعر نورالدين بلكودري ، أتمنى أن أكون قد وفقت في وضع الإصبع على أهم ما يميز القصيدة اليوم ، خاصة في بعدها الكتابي في علاقة مع قصائد الديوان ، متمنيا للشاعر مستقبلا زاهرا في الكتابة الشعرية ،المعاصرة ، التي تتميز بانفتاحها على اليومي و خلق بلاغة جديدة، مدمكها الأساس استثمار الصورة الشعرية في بعدها الرؤيوي العميق ، فضلا على الانفتاح على الرمز و الأسطورة ، و باقي أجناس الإبداع ، كل ذلك من أجل أن تحقق القصيدة راهنيتها و تاريخيتها، و تقصي بالتالي شبح الغنائية و الكتابة من الذاكرة القرائية للشاعر. | |
|
الإثنين أكتوبر 17, 2011 2:34 am من طرف mohamed zitoni