حقوق السجين في الشريعة الإسلامية
الحلقة الأولى-مدخل عام-
الدكتورة:صباح بلحيمر
إن العلاقة الرابطة بين أمن المجتمع وحقوق الإنسان هي علاقة ترابط وتماسك وشمول، فتحقق الأمن رهين باحترام الحقوق الإنسانية وإهدارها ضياع للأمن من الأفراد،وبالتالي ضياع المجتمع.
ولقد فهم الحكام المسلمون هذا ،ورأوا بأن تجاوز الأجهزة التي يختارها ولي أمر المسلمين يجعلها ضامنة لما تجاوزت فيه بغير حق،ولذلك كانت ولاية المظالم تشتمل على أقسام أولها:النظر في تعدي الولاة على الرعية،فيتصفح أحوالهم ليقويهم إن أنصفوا ،ويكفهم إن عسفوا،ويستبدل بهم إن لم ينصفوا "1".
وصار من اختصاص ناظر المظالم أن يقابل من ظهر ظلمه بالتأديب، ويأخذ من بان عدوانه بالتقويم والتهذيب"2".
فمسؤولية الحاكم قائمة في اختيار عماله الحريصين على حفظ كرامة الناس،وعرفها عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-للناس حين قال:"يا أيها الناس إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه،أنا عمر ولم أحرص على أمركم ولكن المتوفى أوصى بذلك والله ألهمه ذلك،ولن أجعل أمانتي إلى أحد ليس لها بأهل،ولكن أجعلها إلى من تكون رغبته في التوقير للمسلمين،أولئك أحق بها ممن سواهم"3.
ولم يكتف بذلك بل تابع عماله لمحاسبتهم على تجاوزاتهم مع الرعية،فقال في خطبة له:"إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ،ولا ليأخذوا أموالكم،فمن فعل به ذلك، فليرفعه إلي أقصه منه،قال عمر بن العاص:لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقصه منه؟قال:أي والذي نفسي بيده أقصه،وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه"4.
ولهذا ينبغي على كل ولي أمر أن يستعين في ولايته بأهل الصدق والعدل،،لأن أمر الحفاظ على حقوق الناس بداية يترتب على القائمين على شؤون الناس ،فإن كانوا عادلين حفظت الحقوق فتحقق الأمن.
لذلك تفوق التشريع الجنائي الإسلامي على جميع الشرائع الجنائية الوضعية، وسبق إلى إحداث أسمى النظريات والمبادئ التي لم تهتد إليها المدارس الجنائية إلا مؤخرا، ومنها:
*مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مقرر في الشريعة الإسلامية،وقد طبق تطبيقا دقيقا في جرائم الحدود والقصاص والدية،لأنها جرائم محدودة وكذلك عقوباتها،أما التعازير فمنها ما هو منصوص على عقوبته ومنها ما ترك تحديده للسلطة العامة.
*مبدأ عدم رجعية العقوبات.
*مبدأ شخصية العقوبة.
*مبدأ عمومية العقوبة والمساواة أمامها، ودليله رفض النبي عليه السلام طلب أسامة بن زيد منه العفو، عن إحدى الشريفات في حد السرقة.
كما عرفت الشريعة الإسلامية المبادئ التي تقوم عليها نظريات الشروع والاشتراك،والقصد الجنائي والمسؤولية الجنائية،والضرورة والإكراه والدفاع الشرعي،وتعدد الجرائم والعود وما إليها ،والتي تتطلب أن تتناولها أيدي الدارسين لتخرج منها كنوزها التي سار المسلمون الأوائل على هديها.
*الأصل براءة المتهم:فقد افترض الشارع الحكيم البراءة في المتهم كأصل عام،ويبدو ذلك جليا في جرائم الحدود يقول عليه السلام:"ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا،فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو ،خير من أن يخطئ في العقوبة"5.
وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة 11/1 على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا،إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه .
ونصت عليه الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان،وحريته الأساسية في المادة 6، وأكدته الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ونصت عليه كثير من الدساتير.
وإذا كانت قاعدة"البراءة الأصلية"وهي من القواعد التي اهتمت بها الشريعة الإسلامية،وأقامت عليها كثيرا من الأحكام ،ولم تسمح بنفيها أو تقييدها بغير الأدلة اليقينية فهي قاعدة متيقنة لا تزول بالشك،لذا ارتبطت بها قاعدة "اليقين لا يزول بالشك"،فهما قاعدتان مرتبطتان ،وتدخلان في أبواب كثيرة من الفقه.
ولا بد من التوفيق بينهما وبين حماية المجتمع ،وحماية ضروريات الناس أو حاجياتهم،فكما حرص الإسلام على حماية الحقوق الفردية،حرص أيضا على حماية المجتمع،فكانت قواعد "الأخذ بالأحوط"،و"سد الذرائع"،و"إزالة الضرر".
فالشريعة الإسلامية وفقت بين المصلحتين:مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع الذي يعيش فيه،
فما هي إذن الحقوق التي وضعتها الشريعة الإسلامية للسجين؟
الهوامش:
1-الأحكام السلطانية للماوردي ص 237
2-المصدر السابق ص 244
3-الثقات لابن حبان 2/196
4-أخرجه أبو داود في كتاب الديات،باب القود من الضربة،وقص الأمير من نفسه رقم الحديث 4537.
5-المستدرك على الصحيحين،كتاب الحدود رقم الحديث 8163.